«الأزرق الكبير» وبر الأمان

تطلق جمعية “حملة الازرق الكبير”، كعادتها منذ ثمانية عشر عاماً، “اليوم الوطني لتنظيف الشاطئ اللبناني وبحره”، وذلك من ساحل عكار شمالاً حتى رأس الناقورة جنوبأ، بحضور عدد من السياسيين المركزيين او في المناطق وبمشاركة من وزارات الدولة المسؤولة عن تراكم النفايات وعن عدم إيجاد حلول شاملة (وغير طارئة) لهذه القضية! كما تدعم الحملة بلديات مقصرة وشركات كان يفترض ان تحاسَب حول مخالفتها عقود التنظيف والجمع والمعالجة… من دون ان تسأل عن خطط الدولة وطرق معالجتها الشاملة والدائمة لهذه القضية والكلفة المترتبة على الخزينة والبيئة…الخ!

كما شاءت الجمعية ان يكون حفل إطلاق الحملة هذا العام من على شاطئ المسبح الشعبي لمدينة صيدا، تكريماً لبلديتها التي بدأت بمعالجة مكب النفايات الذي طالما كان السبب الرئيسي لتلويث الشواطئ اللبنانية وبحر لبنان… من دون ان تقدم الجمعية أي دراسة او أي تعليق على طريقة وكلفة معالجة المكب! اما اللافت هذه السنة فهو في تقليل عدد الشواطئ ضمن هذه الحملة الفولكلورية السنوية. وترد الجمعية الموضوع لسببين غريبين وطريفين في آن: اولهما ان عددا من الشواطئ قد أصبح نظيفا ولا يحتاج الى تنظيف مثل شاطئ جبيل وشواطئ بيروت، وسيتم تكريم المشرفين على نظافتهما، والثاني لأنها لم تعد أماكن عامة وأصبحت مسابح خاصة! لا نعلم الى ماذا استندت الجمعية للحديث عن “شواطئ نظيفة” في لبنان، مع العلم بان التيارات البحرية تنقل النفايات من مكان إلى آخر باستمرار، ولا نعلم كيف تمنح الشهادات. ولعل نقطة التعجب الابرز هي حول نهج مقاربة الجمعية لخصخصة الشاطئ، اذ تبدو كأنها تشجع على هذه الخصخصة، ولم تستفد من الانتقادات البيئية التي طاولتها منذ انطلاقتها والتي جاءت تحت عنوان “ننظف الشاطئ لمن؟”، والتي كانت تعني ان مشكلة نقل ملكية الشاطئ من العام الى الخاص هي مشكلة اكبر واخطر من تلوثه وان على المجتمع المدني (وقواه) ان يناضل لحماية الشاطئ من الخصخصة والتلوث معا، لا ان يشجع على الخصخصة وسرقة الملك العام او اهماله، بشكل مباشر او غير مباشر، عبر الإيحاء بان الخاص أنظف وافضل من العام! قد تدافع الجمعية عن نفسها بالقول انها غير ملزمة بتوسيع اهتماماتها للبحث في اصل مشكلة النفايات وطرق ادارتها ومعالجتها، ولا في ملكية الشاطئ، وان همها هو في النظافة… وان غيرها من الجمعيات والحملات يقوم بهذه المهمة، لكن ألم تسأل نفسها لماذا تستمر مشكلة النفايات بالتراكم والاستفحال بالرغم من حملاتها للنظافة الممتدة منذ أكثر 18 سنة؟! وان نظافة أماكن من الشاطئ كانت على حساب مناطق أخرى، التي ذهبت اليها النفايات بعد كنسها وجمعها؟ ألم تسمع الحملة باعتراضات حملة أخرى تسعى لإقفال مطمر الناعمة حيث تذهب اليه أكثر من نصف نفايات لبنان؟ ألم يكن من الافضل ان تحصل مراجعة هذا العام لهذا النشاط “التاريخي” الذي بات فولكلورا إعلاميا مملا؟ فماذا جنت هذه الحملة غير تبييض وجوه سياسيين ومسؤولين وشركات… يتحمل معظمها مسؤولية تفاقم الأوضاع… وقد كان يفترض مساءلتهم ومحاسبتهم بدلا من تكريم بعضهم؟ قد يقال ايضا ان هناك جمعيات اخرى تهتم بالسياسات في ادارة النفايات او بالدفاع عن ملكية الاملاك البحرية العامة، وان مهمة حملة النظافة هي التشديد على أهمية النظافة فقط. لكن أما حان الوقت للسؤال على حساب من هذه “النظافة” وبأي كلفة؟ حتى موضوع النظافة نفسه للبحر نفسه يفترض إعادة النظر به. فإنشاء 44 سدا لمياه الأنهر، كما ورد في خطط وزارة الطاقة المتخلفة، او في مشاريع القطاع الخاص الطماع، الا يفترض ان يمنع قسما من مياه الأمطار والثلوج التي تجري الى البحر (شبه المغلق) ويساهم في تجدده وايحائه، الا يفترض ان تزيد هذه السدود في ملوحته وتقتله، كما حصل في البحر الميت؟ وكذلك الامر بالنسبة الى مشاريع التنقيب عن النفط والغاز التي ستهدد حتما سلامة البحر والشاطئ، ألن تؤثر في نظافته، بالإضافة طبعا الى أنابيب المياه المبتذلة وتلك الصناعية التي لم تتوقف يوما عن الانسكاب فيه!؟ فاذا أرادت هذه الحملة أن تكون أكثر إخلاصا لموضوع نظافة الشاطئ والبحر نفسه، أما كان يفترض ان توسع آفاقها واهتماماتها أكثر؟ قد يشمل هذا النقد الجمعيات المدافعة والمناصرة المطالبة بوقف خصخصة الشاطئ والدفاع عن بعض المواقع والأملاك العامة التي لا تشارك بحملات معالجة النفايات بأفضل الطرق ولا بحملات إعادة النظر بمشاريع المياه والتنقيب عن النفط والغاز. فلو حصلت كل تلك المراجعات، لربما أمكن الاستنتاج ان هناك ضرورة للتشاور والتنسيق في الحد الأدنى، بين الحملات المتفرقة، ومحاولة إنتاج مشروع واحد، يشمل الكثير من القضايا المترابطة والمتشابهة حول هذا “الازرق الكبير”، كي يتم الانتقال بعدها (او ربما معها) الى مشاريع اليابسة والى بر الأمان.
السابق
أمين الجميل: كل شغور يؤدي الى ضرب المعادلة الميثاقية
التالي
كلاب اللبنانيين