تانغو إيراني في الجنوب اللبناني!

لا نعرف لماذا يجب أن نفاجأ بما «اتحفنا به» مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية الجنرال يحيى رحيم صفوي «أن» نفوذ بلاده تمدّد ليصل إلى البحر المتوسط وان خط دفاع إيران أصبح في جنوب لبنان». فليست هي المرة الأولى الذي يتحفنا بعض المسؤولين هناك، في البلاد المقموع شعبها بالحديد والنار، بقوة وجودهم في لبنان وبانتصارهم على أميركا من لبنان وبفوزهم المبين على اسرائيل من لبنان (حرب تموز بكل ما كبدت البلد من دمار وضحايا وجرحى وخراب)؛ والمسألة تتعدى لبنان والجنرال صفوي ينطق واقعاً: وقبله نطق العديد واقعاً عندما مدّد النفوذ الفارسي الساساني ليتحول احتلالاً شبيهاً باحتلال ايران الجزر العربية الثلاث: طمب الصغرى، طمب الكبرى وجزيرة أبو موسى، من دون ان ننسى عربستان… وكم قرأنا وسمعنا من «مفوّهين» و»حجاج» ومؤمنين وورعين في بلاد عمر الخيام ان العراق وسوريا وصولاً إلى لبنان هي، فعلاً، (وليس افتراضياً) ولايات إيرانية، فهذا النطق أفدح يتجاوز مسألة النفوذ إلى اللغة الاسرائيلية في فلسطين (وجنوب لبنان سابقاً) أي زرع احتلال مكان احتلال. فالجنرال والمرشد وقائد الحرس الثوري وقبلهم نجاد (يُخوّن حالياً كما خُوّن موسوي وكروبي ورفسنجاني وهم من مؤسسي الجمهورية الاسلامية)، يبوحون بمكنونهم. ويشيرون بكل وضوح وبلا خلط ولا لبس ولا تورية ان «المقاومة» (السابقة) هي ذراعهم وسلاحهم ووكيلهم لترسيخ هذا النفوذ… أو الحلم بالاحتلال أو بالوصاية. أي، عملاؤهم في لبنان «فعالون» في مشروعهم الفارسي.

أكثر من ذلك: تمدّد نفوذ الايرانيين إلى سوريا دعّمه حزب الله بدم الشباب الشيعي اللبناني، عندما لبّى إرادة المرشد خامنئي للانخراط في الحرب القائمة في سوريا، مساندة للنظام البعثي، تحت يافطة مذهبية فاقعة «الدفاع عن مقام السيدة زينب». حمل الحزب يافطة النظام المذهبي في إيران إلى سوريا، ليساهم في قتل الشعب العربي السوري، وطمس ارادة الأكثرية السورية التي اعلنت الثورة على الاستبداد، والطغيان… وهذا ما جرى في العراق عندما تحالفت الولايات المتحدة الأميركية (الشيطان الأكبر) وولاية الفقيه لاسقاط نظام صدام حسين، وأي حلف رائع هذا الحلف الذي لم يخرج عليه أوباما إلا شكلاً وليلتقي الطرفان (مع روسيا بوتين) على دعم بشار الأسد، لكن كل على طريقته، وهذا ما يجري الآن مع «حزب الله الحوثي في اليمن» وحزب الله الحوثي في اليمن… كحوثيي حزب الله في لبنان: مرتزقة ووكلاء ايرانيون، مزودون مالاً وعتاداً وأسلحة وفكراً (قلت فكراً) طهرانية وطهورية لتقسيم الأمة العربية وشرذمتها، وهنا يلتقي النظام الايراني والاسرائيلي في تبني كل منهما «مهمة تقتيت الأمة العربية» (والعروبة والانتماء العربي والأرض العربية) تقتيتاً مذهبياً. فهي أحزاب الفتنة ، المتصلة اتصالاَ ضمنياً (وعلنياً) بالاستراتيجية الصهيونية الواحدة: استراتيجية صهيونية بسحنة ايرانية، واستراتيجية إيرانية بسحنة صهيونية. وهذا ما يُحيل فعلاً على ما سماه الجنرال صفوي (الحوثي) التمدد الامبراطوري الشاهنشاهي «الجديد». وهذا بالذات ما عكف بعضهم على تسميته «الهلال الشيعي». وهو أصلاً الهلال الصهيوني بلا التباس! من «اسرائيل الكبرى» إلى ايران الكبرى. انه المشروع «التوسعي» الذي أفشله الربيع العربي على الرغم من مختلف الظواهر السلبية. فاسرائيل على الرغم من بنائها مستوطنات «توسعية» داخل الأراضي المحتلة، ها هي تنكمش نفوذاً في «توسعية» داخل الأراضي المحنلة، ها هي تنكمش نفوذاً في البيئة العربية المحيطة بها، وها هو الجولان عاد إلى «الواجهة» وبدأت مخاوف اسرائيل من ان يؤدي نجاح الربيع العربي في سوريا.. إلى المطالبة باسترجاعه او بانشاء مقاومة… لا تشبه طبعاً مقاومة حزب الله الذي قارب الجولان لكنه احتل أجزاء من الأراضي السورية وقارب الجيش الاسرائيلي لكنه يقتل الشعب السوري باعتبار «ان تحرير الجولان ليس من أولوياته (اقصد اولويات ايران) وكأن منحى النظام السوري بتسليم هذه المنطقة السورية العربية إلى العدو… يتبناه الحزب! فالحزب لم «يُستدعَ» إلى سوريا لتحرير الجولان ولكن لمحاولة تحرير سوريا من أهلها، ومن ثورتها ومن شعبها. وبدلاً من أن يسعى إلى محاربة الاحتلال الصهيوني في الجولان، وهو على قاب قوسين منه أو اقل منه، فها هو يحتل مناطق سورية. حزب اللله الفارسي الهوية يحتل أراضي عربية. ويشارك في ذلك احتلال اسرائيل للأراضي العربية السورية في الجولان: تقاسم اسرائيلي ايراني لسوريا. الاستمرار في حماية الجيش الاسرائيلي في الجولان الذي التزمه النظام السوري منذ 1974 مقابل التزام اسرائيل بقبول «التوسع» الإيراني في سوريا… وربما في لبنان… ومداولة في العراق!

والمستغرب أن بعض اللبنانيين «يلوم» حزب إيران لأنه (وهو حزب التحرير).. لا يرد على الجنرال صفوي تماماً كما لم يرد (بحسه الوطني اللبناني الرهيف) على تصريحات سابقة أقبح وأبشع وأوقح تطاول كرامة اللبنانيين. فهذا التصريح مريح للحزب. ان يقال إن لبنان ولاية «إيرانية» قول يُشنف آذان قادة الحزب، ويُمتعهم ويُشعرهم بالتفوق وبالكبرياء والفخر ويوقظ فيهم الحس الوطني والسيادي! فالسيادة بالنسبة إلى الحزب هي سيادة إيران على لبنان… والحرية بالنسبة إلى الحزب هي حرية ايران باستباحة لبنان. والتحرير بالنسبة إلى الحزب هو تحرير لبنان من إرادة أهله ومن ديموقراطيته ومن اختياراته ومن هويته ومن لبنانيته ومن عروبته ومن ثقافته .. وتاريخه!

وعندما يتكلم الحزب على رئيس جمهورية جديد يعني رئيساً مرتهناً بالارادة الإيرانية السورية (تماماً كما كان عهد إميل لحود الطيب الذكر). وعندما يتكلم محمد رعد عن رئيس توافقي يعني رئيساً «تُوافق» عليه ولاية الفقيه. وعندما يهتف كبير الهتافين الشيخ نعيم قاسم بان «التوافق يُوفر حالاً من الاستقرار «فيعني انه يذكرنا بـ 7 أيار! وعندما يشير إلى ضرورة مجيء رئيس قوي فيعني انه يرى رئيساً ضعيفاً، مهلهلاً، انما قوي «بسلاح المقاومة» وقوي بمنشطات المقاومة (السابقة) وبأهداف الحزب «المقاوم» (في سوريا) الذي يريد في كل المؤسسات الراهنة مجرد مراحل موقته لمشروعه الكبير وهو تغيير النظام وضرب الكيان والحاق السلطة بولاية الفقيه.

ومع هذا يطالب بعضهم الحزب بأن يتخذ موقفاً من تصريحات الجنرال صفوي، وهو الذي يردد بلا كلل، انه «يؤمن ايماناً عميقاً بولاية الفقيه» ليكمل السيد حسن نصرالله القول «بأنه جندي في جيشها» العظيم. كيف يمكن جندياً في جيش امبراطوري عرمرم ان يرد على جنرال! أو حتى شاويش! ونظن ان مسألة الجندي والجنرال هي أكثر من مجازية… لأنها توحي وتصرّح انهم يريدون هذا البلد، بسلاحهم الإيراني، ان يكون شبيهاً بموقع الجندي من الجنرال، أو بمرتبة الشعب المحتل (المسلوب الارادة) من القوة الخارجية المحتلة. ولم يخطئ الجنرال صفوي (الحوثي) في قوله «إن مهمات المقاومة، مقاومة الحزب، هي في تعميق الوجود الإيراني في المتوسط، وفي خط دفاع ايران في جنوب لبنان وهذا يعيدنا ربما إلى الوراء: هل كان حزب الله يقاوم اسرائيل لتحرير الأرض من الاحتلال، ام لأحلال احتلال ايراني مكان احتلال صهيوني؟ وهذا يعيدنا بقوة إلى اسباب تصفية النظامين السوري والايراني بدعم من اسرائيل المقاومة الفلسطينية في لبنان… وصولاً إلى المقاومة الوطنية… العلمانية. وهذا يعني ان نزع الورقة اللبنانية (ولبنان مع الوصايات والاحتلالات ورقة) من الأيدي الفلسطينية العربية وتسليمها إلى ايران. أي قرار الحرب والسلم بات في قبضة ايران. وهذا ما يفسر حرب تموز التي لم يكن قرارها صادراً لا من حزب اله ولا من 8 آذار… بل من لُدن النظامين السوري الإيراني اللذين يتحكمان لمصلحتهما، بهذا القرار، على حساب لبنان طبعاً فوجود الحزب في الجنوب «الكانتوني» (كمثيله الكانتوني في الضاحية) هو وجود إيراني؛ بكل ما تعنيه الكلمة. وهذا الوجود، مقبول، وبكل أسف ليس من حزب الولاية القامعة. بل لدى حلفائه ايضاً من 8 آذار الذين يرون أنهم بهذا السلاح سيغيرون المعادلات الداخلية. (وهذا ما لمسناه في بربرية 7 أيار الشارونية). مع هذا لن تُفض افواه بعض «بارونات» الحزب عن التشدّق بالسيادة: فها هو البارون محمد رعد يتكلم باسم الشعب اللبناني (!) والجيش اللبناني وكأنه جيش المقاومة. والمقاومة «الإيرانية» كأنها الجيش اللبناني…. ليصل بهذه الأكذوبة إلى الكلام على السيادة «خيار المقاومة وحده يحفظ السيادةّ «لكن أي سيادة! فهو يريد خياراً رئاسياً يقتحم هذه «الرؤيا» الاهليليجية الدونكشوتية: رئيس قوي بايران ووكيلها الذي ما زال يطلق على سراياه وميليشياته لقب مقاومة»! والدليل على صدق «لوردات» الحزب في كلامهم على السيادة… هو تهافتهم السيادي في الرد على التصريحات الايرانية! لقد جرّح الجنرال صفوي مشاعر «جنوده» اللبنانيين. عندما تكلم على النفوذ الايراني. ومشاعر «جنوده» و«عسكره» و«فيالقه» التي يجسدها الحزب… حساسة جداً هذه التراتبية العسكرية والأمنية… ولم لا السيادية. فالسيادة لا تأتي من لبنان.. بل من ايران. وعلى «الشعب» ان يتمسك بالسيادة الايرانية في لبنان. وليس بسيادته في لبنان. انها معادلة رائعة! ان تحول الشعب اللبناني «قطيعاً» ايرانياً باسم السيادة. وقطيعاً مسوقاً باسم التحرير. من ضمن ما كان يسمى ثلاثية «الشعب، الجيش، المقاومة» وهي فعلاً ثلاثية «المقاومة، الميليشيات، السرايا». والعجيب ان الشيزوفرانيا الضاربة رؤوس «لوردات» الحزب تجعلهم «يهذون» بالكلام باسم الشعب اللبناني في حين ان أكثرية اللبنانيين باتت ترفض مقاومتهم وسلاحهم وارتباطاتهم بايران؛ والدليل ان الحزب يطالب ممثلي اكثر من نصف اللبنانيين بالتوافق. فاذا كان أكثر من نصف اللبنانيين يرفضون وجود السلاح غير الشرعي فكيف يتكلم باسم حملة هذا السلاح براحة وثقة وطمأنينة هي أقرب إلى «الباطنية» والنفاق والهرطقة! ذلك انهم يستبطنون (وهم حزب الاستبطان بامتياز! وحزب الجزويتية!) لهذا الشعب تهديداً وراء كل تصريحاتهم التوافقية. يستبطنون رمي هذا الشعب بفراغهم! (وهم حزب الفراغ أصلاً. وجودهم المسلح وكانتوناتهم هي الفراغ بعينه! وجود الفراغ وفراغ الوجود!) لكن للفراغ عندهم رمزية القهر والغلبة والالغاء، انها رمزية 7 أيار الدائمة في مخوخهم وطرق تفكيرهم وسلوكهم. وماذا قدموا في السنوات العشر الماضية سوى الفراغ لبيئتهم وللنظام والكيان والدولة والديموقراطية!

والمضحك ان محمد رعد وغيره كنعيم قاسم، وسائر «المطبلين» في جوقة الحزب يتكلمون عن التوافقية من دون ان يسموا مرشحاً توافقياً! من دون ان يقدموا مضموناً توافقياً سوى اعلانهم حرباً على الشرعية اللبنانية والشعب اللبناني بسلاحهم الايراني! والأغرب، انهم وفي ذكرى «7 أيار» الصهيونية وفي يوم الصحافة التي انتهكوها واحرقوا في جنونهم تلفزيون المستقبل وجريدة المستقبل يتكلمون عن التوافق بمنطق ذكرى السلاح: 7 أيار جديدة وراء الفراغ؟ اكثر! 7 أيار الشاروني كأنه كان بروه لـ 7 أيار كل الأيام وكل الشهور وكل السنوات!

ونظن أن بعض ما يستبطنه حزب الاستبطان، التفكير كمرحلة أولى في نظام أمني شبيه بنظام ولاية الفقيه: تتجدد فيه الثلاثية «الشعب، الجيش، المقاومة» لتكون عنواناً معمقاً وعملياً لمرحلة امنية قمعية استبدادية جديدة بسيناريو ولاية الفقيه وتركيبتها: المرشد، الجيش، الشعب الإيراني، الحرس الثوري! فهل يكون حزب الله «الحرس الثوري» في معادلة الجيش… كما بدا من ممارساته على امتداد السنوات الأخيرة!

هذه الثلاثية التي قد يكون الحزب وبعض الاختراقات في الأجهزة الأمنية وبعض شرائح 8 آذار، يفكر في الشروع بتنفيذها عبر ما يسمى الفراغ… وعبر ما يسمى تعطيل المجلس النيابي… وتجويف الحكومة!

ونظن انهم لا يبحثون عن رئيس «توافقي» إلاّ لتنفيذ هذه الثلاثية «المتجددة» والمتطورة على صعيد ارتهان الحزب بالنظام الايراني!

فالحزب يريد ان يكون لبنان على صورة نظام ولاية الفقيه… وكذلك على صورة النظام البعثي البائد أسوأ نظامين! لكن الغريب ان هذين النظامين يعيشان اليوم، مراحل حاسمة: السوري في نهاياته والإيراني… في تخبطاته!

والثورة الخضراء تحت رماد القمع والبربرية والفساد!

السابق
حلم الرئيس
التالي
بالفيديو: موقف محرج لـ أوباما