انسحاب المسلحين من حمص القديمة تسوية اقليمية دولية بامتياز

في مشهدٍ لم يعرفه السوريون منذ بداية أزمتهم، انتهت التسوية في مدينة حمص القديمة إلى انسحاب المسلحين من المدينة سلميا، يعد حصار دام سنتين وأدّى إلى دمار وخسائر مادية وبشرية وصفها قادمون من هناك بالهائلة، ما يؤشر إلى أنّ المدينة برمتها تحتاج إلى عمليات إعادة بناء شاملة، خصوصًا أنّ الخراب لم يوفر لا الحجر ولا البشر.

هذا المشهد الذي أعاد إلى ذاكرة اللبنانيين انسحاب المسلحين من مدينة زحلة في سبعينات القرن الماضي، باعتباره نسخة طبق الأصل نفذها الجيش السوري مع فارق في المكان والزمان، أكد بما لا يقبل الشك بأنّ هناك تسوية إقليمية ودولية كبيرة تقف وراء إنجاز الانسحاب من حمص القديمة وإعادتها إلى حضن النظام المشرف على تحضير الانتخابات الرئاسية في الثالث من حزيران المقبل. فعدد المسلحين الخارجين بلغ بحسب معلومات هؤلاء القادمين من ساحة المدينة حوالي الألفي مسلح، وهذا عددٌ لا يُستهان به، بل على العكس تماما فانه قادر على المواجهة والاستمرار لأشهر طويلة خصوصًا أنّ الحرب التي دارت في حمص القديمة والأحياء المحيطة بها هي حرب شوارع بامتياز لا تفيد معها الصواريخ ولا القذائف ولا الكثافة النارية، إنما تسبّب المزيد من الدمار في ظلّ حرب الخنادق والاحياء والكتل السكنية.
ويتمحور السؤال الأبرز حول الجهات التي قادت الحوار مع المسلحين في ظل حقيقة راسخة وهي أنّ مرجعية التنظيمات والألوية المقاتلة هناك ليست واحدة وهي تتراوح بين ولاءات للمملكة العربية السعودية وأخرى لمرجعيات تركية وثالثة لمجموعات شيشانية واوروبية ما يعني أنّ المفاوضات دارت بين النظام من جهة ومجموعة من الدول والمرجعيات وأجهزة المخابرات التابعة لتلك الدول، هذا في حال تم التسليم جدلا بأنّ مرجعيات المسلحين هي نفسها مرجعية الجهة التي خطفت المدنيين والعسكريين في حلب واللاذقية ومن ثم أفرجت عنهم من ضمن التسوية.
هكذا إذًا، جاءت التسوية، إذا جاز التعبير، عشية الانتخابات الرئاسية السورية لتصب في خانة النظام وما يخطط له في هذه المرحلة الفاصلة فهو يعمل على خطين متوازيين، الاول الحسم العسكري والثاني اجراء مصالحات جذرية وسريعة والهدف من ذلك اشراك اكبر عدد من المدن السورية في الانتخابات الرئاسية في ظل استقرار امني يرغم الغرب على الاعتراف بها وبنتائجها.
على الخط الاول يمكن تسجيل نجاح النظام بسحب المسلحين من حمص القديمة، والنتيجة المباشرة هي اعادة حمص المدينة الى حضن النظام وبالتالي فان ذلك سيسمح لمحافظة حمص المشاركة في الانتخابات العامة من دون عوائق امنية اضافة الى ان سقوط عاصمة المعارضة بايدي النظام سيرفع من معنويات مؤيدي الرئيس الاسد ويدفعهم  للتوجه الى صناديق الاقتراع مع الاشارة الى ان محافظة حمص تضم حوالي الاربعة ملايين ناخب معظمهم في المدن الواقعة تحت سيطرة النظام. وفي هذا السياق تكشف المعلومات ان مفاوضات جدية تدور بين القادة الميدانيين في ريف دمشق والغوطة الشرقية من جهة ومرجعيات المسلحين من جهة ثانية ومن المتوقع لها ان تشهد نتائج ايجابية ولكن بعد سقوط المليحة القريب بحسب مصادر ميدانية واعلامية مواكبة.
أما في الشق الثاني أي الميداني، فيعتزم الجيش السوري إنهاء المعركة بصورة نهائية في الارياف الدمشقية والغوطتين الشرقية والغربية قبل الثالث من حزيران الجاري بهدف اعادة وصل العاصمة بالقلمون والقصير وحمص ريفا ومدينة مرورا باللاذقية ريفا ومدنا، مع الاشارة الى ان مصير المسلحين المنتقلين من حمص القديمة الى ريفها الشمالي ما زال مجهولا، اي هل سيعود هؤلاء للانتقال الى مكان آخر ام ان الجيش سيعمد الى ضربهم قبل ان يتمكنوا من التقاط انفاسهم واعادة تشكيل جبهة جديدة.

السابق
لومباردي: الراعي ذاهب الى الاراضي المقدسة بمبادرة منه
التالي
50 ألف ليرة لبنانية جديدة