إتجاه – مصالحة حقيقية؟

حركة حماس

أثار اتفاق “فتح” و”حماس” على استئناف المصالحة وعلى توحيد السلطة في الضفة والقطاع تفاؤلا فلسطينيا وعربيا، مع أنه عند التدقيق في بنوده ومواقيته لا يختلف من حيث الشكل عن محطات كثيرة سابقة للمصالحة نفسها، تبيّن في ما بعد أنها عقيمة. فالمهلة لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية مفتوحة على احتمالات تعقيدات، مثلما هي المهلة المحددة لإجراء إنتخابات متزامنة للرئاسة الفلسطينية والمجلس التشريعي والمجلس الوطني. لا بل إن الاتفاق يضع إعادة النظر في أوضاع منظمة التحرير الفلسطينية في الدائرة نفسها. فما الذي يجعل التفاؤل في محله هذه المرة؟ ربما وصلت كل من “فتح” و”حماس”، ومن طريقين مختلفين، إلى استنتاج واحد هو حاجة كل منهما إلى الآخر، بغض النظر عن الصعوبات الواقعية التي ما زالت تواجه عملية التوحيد نفسها.  “حماس” المنفتحة على نظام مصري في قبضة “الإخوان المسلمين” هي غير “حماس” التي تجاهد لعدم تحمّل تبعات إعلان تنظيم الإخوان تنظيما إرهابيا في مصر، خصوصا أن الإرهاب في سيناء يضع “حماس” مباشرة في دائرة الاتهام. كذلك فإن الإغلاق المصري للحدود مع غزة، والجدية في تدمير الأنفاق بينها وبين مصر، يعني أن حصارها اكتمل. و”حماس” التي تتولى مسؤولية الأمن في غزة، وخصوصا مسؤولية “التراشق” مع إسرائيل، تدرك أن من الصعوبة بمكان الاستمرار في ممارسة دور الضبط للتنظيمات الجهادية فيما تملك إسرائيل القدرة على الاستفزاز. واستمرار المعادلة في غزة على ما هي عليه يؤدي لا محالة إلى فتح مواجهة عسكرية شاملة مع إسرائيل. لذلك تبدو”حماس” اليوم بحاجة إلى غطاء شرعي يقيها “العدوّين”، العربي والإسرائيلي، ويجعل غزة رسميا مسؤولية محمود عباس.

في المقابل مشى عباس كل الطريق التفاوضية مع إسرائيل، واستخدم كل ميزات وضوح رغبته في السلام، وقطعه العلني مع أي شبهة لوجود خيارات بديلة من التفاوض، وكان البعد عن “حماس” رصيدا إضافيا للمفاوض الفلسطيني في علاقته بالمفاوضَيْن الأميركي والإسرائيلي، ومع ذلك دارت المفاوضات دورتها، ويكاد الرئيس الفلسطيني يعود، في اللغة الإسرائيلية، إلى موقع شبيه بموقع الرئيس الراحل ياسر عرفات، لكن دون امتلاك خيارات حقيقية بديلة.
عباس الذي جادل طويلا ضد منطق انتفاضة ثالثة، يجد نفسه اليوم، ومن أجل إعطاء أمل جديد للتفاوض، مضطرا للإنفتاح على القوة الوحيدة التي توازي التهديد بانتفاضة، مع إعفائه من خوض غمارها. ولن يكون صعبا عليه، إذا ما أثمرت خطوته ليونة إسرائيلية، توسيع المسافة عن “حماس”.
الحاجة المشتركة تكفي لتقارب حقيقي يفتح الطريق لمسار ثالث مختلف عن المسارين المفروضين سابقا على الضفة وغزة، لكنها لا تكفي لبناء وحدة حقيقية، على أساس تنوّع حقيقي.

السابق
غريب: نتمسك بالحقوق ونرفض التقسيط
التالي
8 و14 آذار يرغبان بتأجيل الانتخابات الرئاسية