كيف خطط الايرانيون لتفجير مكة بأيد كويتية؟

هل ما سأذكره في السطور الاتية هو نبش في تاريخ يراد له ان يكون منسيا, ام انه بحث سياسي و تاريخي مشروع في ظل اليقين القانوني الثابت و المتمثل في كون الجرائم الموجهة ضد الجنس البشري لا تسقط بالتقادم ابدا, وان الارهاب المتوحش لايمكن غفرانه او اسدال ستائر النسيان والتجاهل عليه?
ما حفزنا حقيقة لاعادة فتح هذا الملف الشائك والنبش به هو توسع الدور الارهابي الايراني في الشرق القديم وتمدده لمساحات جغرافية هائلة في العمق العربي, وتحوله مصيبة حقيقية ضد شعوب الشرق المكافحة لنيل حريتها, والقصاص من الطغاة ومعاقبة المجرمين من الحكام الذين افرطوا في هدر وسفك دماء الشعوب والتسلط عليها, والدور الايراني التخريبي البشع في حواضر عربية مهمة كبغداد ودمشق بعد ان هيمن نظام الولي المستبد الفقيه على امور وواقع ومستقبل اهم شعوب الشرق القديم وبات المشروع التخريبي التدميري الايراني هو السائد للاسف في المنطقة, وسيادة و تعملق هذا المشروع وانفلاته من السيطرة لم يكن مجرد مصادفة تاريخية عابرة ولا صدفة غير سارة, بل جاء نتيجة لتخطيط واعداد قديم مبرمج, وممنهج, ووفق قواعد عملية راسخة عمادها التخطيط الستراتيجي ثم الصبر وانتظار قطف النتائج, وهذا ماحصل بالضبط في التمدد الايراني في الساحتين العراقية والسورية على وجه التحديد.
لقد كان للمخابرات الايرانية دورها الكبير في التركيز على الساحة الكويتية والتغلغل فيها, والعمل في اوساطها بسبب حالة الحريات العامة في دولة الكويت, و تسامح السلطات مع مختلف القوى الاجتماعية, والسياسية, ولانفتاح الوضع الكويتي على العالم في مرحلة ما قبل الغزو العسكري العراقي للدولة, اضافة الى حرص دولة الكويت الدائم على مد الجسور والروابط مع مختلف دول العالم وفي طليعتها دول الجوار من دون عقد ولا حساسيات, وهو ما اغرى اجهزة المخابرات الايرانية لكي تمد نفوذها في فترة ما بعد نهاية الحرب العراقية الايرانية (1980/1988) والتي عانت الكويت من تداعياتها ابشع معاناة عبر عمليات الارهاب الكبرى التي استهدفتها طيلة عقد الثمانينات من القرن المنصرم, في الاعوام 1980 و1983 و1987 و1988 سواء من خلال التفجيرات المتنقلة وخطف الطائرات او حتى المواجهات المباشرة بين قوى الامن الكويتية والجماعات المرتبطة بالنظام الايراني, وهي وان كانت امور قد اضحت من ملفات الماضي القريب الا ان تداعياتها واشكالياتها وعناصرها لا تزال حاضرة.
في السطور الاتية سننعش الذاكرة التاريخية لمن يهتم بذلك الملف الشائك والمحير بمعلومات حول اخطر عملية ارهاب سوداء كانت تستهدف اقدس بقاع الاسلام, وهي مكة المكرمة, حيث خطط الايرانيون وبالتفجيرات المروعة الاثمة لاستهداف موسم حج عام 1989 من خلال زرع العبوات الناسفة وايقاع الخسائر بين صفوف ضيوف الرحمن, وبهدف ستراتيجي محوره الدعوة الايرانية لسحب يد المملكة العربية السعودية من ادارة الاماكن المقدسة, وشؤون الحج وتحويلها لادارة دولية, وهو هدف مشبوه ومريض اشتغل عليه الايرانيون كثيرا وفشلوا في اقناع العالم به, وما زالوا حتى اليوم يحاولون, فمن يعرف النفسية و العقلية الايرانية جيدا يدرك ان الايرانيين لا يتخلون ابدا عن مطالبهم, وان طال الزمن و مهما كانت ابتساماتهم المخادعة…نعرفهم جيدا ونعرف حقدهم التاريخي المتاصل والموروث في جيناتهم الوراثية, ورب الكعبة.
ولعل اخطر زاوية في تلك المحاولة الاجرامية الايرانية الاثمة كانت تجنيد العناصر المغرر بها, و اختيار جنسيتهم من الكويت تحديدا, وهو ما اثار الصدمة, والهلع, ورسم تصورات مرعبة حول مستقبل المنطقة, وطبعا كل المعلومات التي سأذكرها لم اجلبها من جيبي, بل كانت من وقائع وسجلات التحقيقات الجنائية و الاحكام الشرعية وبالاسماء والوثائق والاعترافات ونقلا عن سجلات تلكم الايام.
لقد تم القاء القبض وبعد ساعات قليلة من زرع العبوات المفخخة ثم انفجارها في مكة المكرمة على مجموعة من الحجاج الكويتيين ثبت تورطهم المباشر في ذلك العمل المشين باعترافهم وارادتهم, وبالتحقيق مع هؤلاء اعترفوا بكامل اهليتهم بجلبهم للمتفجرات من الكويت بسيارات حملة الحج المرافقة لهم وان تلك المتفجرات قد حصلوا عليها من السفارة الايرانية في الكويت, وعن طريق عملاء المخابرات الايرانية العاملين تحت الغطاء الديبلوماسي وهم :محمد رضا غنيم, وصادق علي رضا, وهما كانا يقيمان في شقة واسعة في منطقة الرميثية.
وكانت الخطوات اللاحقة بعد اكمال الاتصال عقد الاجتماعات والتخطيط للهدف, وهو اثارة الرعب و”الشوشرة” بين الحجاج وتعطيل مناسك الحج, وارباك الاجهزة الامنية للمملكة العربية السعودية, وعدم القدرة على حماية الاماكن المقدسة مما يصب في مصلحة المشروع الايراني, وبوشر فعلا بتسلم متفجرات ال¯”تي ان تي” من السفارة الايرانية وتهريبها في سيارة “هاف لوري” تابعة لحملة الحج, كما تمت التدريبات الميدانية في بر الوفرة في صحراء الكويت!
بعد ذلك شحنت المتفجرات للسعودية بسيارات الحملة, وقد وصلت المتفجرات للمدينة المنورة يوم الجمعة 23 /6/1989 ثم تم ادخالها الى مكة المكرمة, وتم اعدادها ووضعها في عبوات حول الحرم المكي حيث انفجرت مخلفة عددا من الاصابات بين صفوف الحجاج!
يتبين مما تقدم ان الايرانيين, ومن خلال وكلائهم قد استغلوا مشاعر الشباب الكويتي, اذ ان معظم المتورطين من الشباب وطلبة الجامعات, واستغلوهم ابشع استغلال في خدمة مشروع عدواني ايراني مريض لم تتغير ابدا اهدافه, وتغيرت اشكاله, وطبيعته, وشخوصه, ورموزه مع استعمال اسلوب ومبدأ التقية بأوسع مدى واخبث طريقة.
كانت نهاية المغامرة الدموية الارهابية مروعة, فقد تم اعدام ستة عشر شابا كويتيا من المتورطين, فيما كان السجن لعشرين عاما من نصيب اربعة كويتيين اخرين, والسجن 15 عاما لثلاثة اخرين, وتبرئة تسعة من الكويتيين لم تثبت عليهم القرائن الجرمية, وكانت تلك الجريمة المروعة ثمرة من ثمرات الارهاب الايراني في الشرق.
انها صفحات لابد من تذكرها اليوم في ظل التمدد الايراني الواسع النطاق في العراق, والشام, ولبنان, والخليج العربي وحتى تخوم اليمن… المشروع الايراني في تقدم مضطرد, فيما العرب يتشاحنون حول جنس الملائكة… فتنبهوا واستفيقوا ايها العرب.
السابق
مهددات الخليج: العطش وإيران والليبرالية…
التالي
الأقوى تأثيرا في العالم