النازحون السوريون كائنات صامتة

النازحون السوريون في لبنان أشبه بكائنات صامتة، فوجودهم يقتصر على البعد الإنساني ويتجنب ثقل الايديولوجيا وضغوطها لوضعهم في حال تخندق. انهم مدنيون هاربون من حرب عمياء، ولو كانوا غير ذلك لما نزحوا. ولكن، ثمة دائماً من ينطق باسمهم بلا تفويض، ومن خارج لبنان، ضارباً عرض الحائط بمصالحهم الحيوية كنازحين: الأمن والسلام في لبنان والامتناع عن استنزاف وطن يسيل دمه منذ عقود وتكاد تنشف عروقه. هذا ما يعرفه النازحون بالملموس، القلة الغنية منهم والكثرة الفقيرة المنضمة الى شركائها الفقراء اللبنانيين.
وهم يختلفون عمن نزحوا الى تركيا والاردن، لأن معظمهم يسير في طريق سلكه سوريون سابقون من الأغنياء المستثمرين ومن العمال المحدودي الأجر. ولا ننسى ان انطون صحناوي تسلم منصباً وزارياً ومقعداً نيابياً عن مدينة بيروت مطلع الستينات في وقت كان شقيقه حنين صحناوي وزيراً في الحكومة السورية.
أتى الأغنياء السوريون الى لبنان وحملوا جنسيته هرباً من التأميمات والسياسات الاشتراكية غير المدروسة في بلدهم، في حين استمرت رحلة العمال الى لبنان والعودة منه فأعطوا وطن الأرز عملاً بأجر ضئيل ونقلوا الى بلدهم عملة صعبة يحتاجها نتيجة عزلة اقتصادية وسياسية وثقافية خطط لها البعث واعتبرها شأناً وطنياً.
النازحون الى تركيا والأردن أقام معظمهم في مخيمات محاطة بحراسة وبسياج أمني، فيما يتوزع أقرانهم في لبنان على المناطق بلا استثناء ويختلطون بالسكان جميعاً بلا تحفظ، وقد فاق عددهم المليون وفق احصاء الأمم المتحدة، ما يعني، إذا أضفنا المقيمين منهم قبل الثورة السورية، ربع عدد السكان. ويحصّل النازحون عيشهم من أعمال متواضعة الأجر ومن هيئات الإغاثة العربية والدولية بإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع الأمم المتحدة. وقد فتحت الدولة اللبنانية مدارسها الرسمية مجاناً لأبناء النازحين السوريين فأمّنت بذلك تعليم مئات الآلاف، كما تتولى وزارة الصحة تلقيح الأطفال السوريين بحملات مجانية.
وفي المعلومات ان الدولة كسرت قراراً سابقاً بمنع اقامة الأجانب جنوب نهر الليطاني (عدا الفلسطينيين المسجلين في مخيمات منطقة صور) وسمحت بتدفق النازحين السوريين بأعداد كبيرة للعمل في أقصى الجنوب، خصوصاً في مجال الزراعة. ويحظى السوريون في بيروت ومدن أخرى وفي جبل لبنان بعمل، لكنهم لا يجدونه بوجه عام في شمال لبنان بسبب التراجع الاقتصادي الضاغط حتى على اللبنانيين هناك. أما في البقاع الملاصق للقلمون السورية والذي يشكل قسم منه ظهيراً لثوارها، فإن اقامة النازحين يطغى عليها الهمّ الأمني الى حد يمكن اعتبار بلدة عرسال وجوارها أشبه بمخيم غير معلن. ولكن، بعد المتغيرات في القلمون ووصول الخطة الأمنية اللبنانية الى البقاع بعد طرابلس، فإن النازحين الى هذه المنطقة بدأوا يندرجون في أحوال أقرانهم في المناطق الأخرى.
كأن تأليف الحكومة اللبنانية و «السماح» باندحار المعارضة المسلحة من تلكلخ والقلمون هما تدبير من أجل لبنان أكثر من كونهما تدبيراً من أجل سورية المرشحة لمزيد من النزف.
يعيش النازحون السوريون في لبنان انتظاراً طويلاً مصحوباً بالإقامة الموقتة (وكل موقت دائم) في وطن معقد، ذلك ان المجتمع اللبناني الذي يتجفف ثقافياً لا يستطيع ان يحفظ الثقافة المدنية لمن يملكها من هؤلاء النازحين فضلاً عن تدريب من يفتقدها على العيش المدني.
ويجهد لبنان للمحافظة على وجوده في محيط مضطرب، مواجهاً بطبقته السياسية المنقسمة ضغوطاً تطاول منطقة المشرق العربي بأكملها، لذلك يخشى كثيرون تحويل النازحين الى حطب حريق إذا تغيرت المعطيات القائمة على تدويل الحرب السورية وتدويل السلام اللبناني.

السابق
مصادر لـ الانباء: فرنسا ومصر قدمتا إشارات إيجابية بالنسبة للمرشح حلو
التالي
مشاورات أميركية – فرنسية حول الرئاسة اللبنانية