تناقلت وسائل الإعلام خبراً مفاده: دوي انفجار متوقع في مكان ما في لبنان. انتشر الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي في الفيسبوك والواتساب والتويتر. غرّد بثقافة جديدة تغزو البلد مع دويّ كلّ انفجار. هي ثقافة التكفيريين تفرض نفسها بالقوة، الناس تعودت والبعض قال إنها ثقافة الاستسلام لحرب العبوات.
في المقابل تبث الحرب الناعمة ثقافتها (تكنولوجيا الترغيب) التي تصلنا عبر الفضائيّات والطفرة الالكترونية في الهواتف الذكية. وما بين الثقافتين بون شاسع. تعددت الأسباب والنتيجة واحدة: عزوف الأجيال الصاعدة عن ثقافة الكتاب واستسلامها لطوفان المعلوماتية.
عن “ثقافة الاستسلام والحرب الناعمة” كان “لشؤون جنوبية” لقاء مع النائب السابق ورئيس المجلس الأعلى لاتحاد الراديو والتلفزيون الإسلامي الحاج عبد الله قصير في الحوار التالي:
· أضحت التفجيرات بالنسبة للمواطن شيئاً عادياً. لم تعد الناس تستغرب شيئاً في بلد العجائب. يقول البعض أنها ثقافة الاستسلام كالعراق مثلاً هل هي فعلاً كذلك؟ وأين تكمن خطورة هذه الثقافة؟ أجيال تستسلم لواقعها وتهاب البقاء في وطنها؟
لا وجود لثقافة استسلام للواقع بل يوجد ثقافة صمود وتحدٍ. فنحن أبعد ما نكون عن الواقع العراقي، الاستهدافات ليست كبيرة رغم تنوعها في بيروت والضاحية – كفرشيما – طرابلس – صيدا. والقوى الأمنية أنجزت واجبات تشكر عليها، أدت إلى ارتياح المواطنين فقامت بمجموعة تدابير خففت من استمرار التفجيرات، وهذه أيضاً ثقافة صمود وليست هروباً رغم أن القوى الأمنية لم تضبط الوضع مئة في المئة؛ إلاّ أن العمل جار بهذا الاتجاه. ولا وجود لثقافة استسلام، حتى تقيّم خطورتها ونستدل على ذلك من الحياة الطبيعية المستمرة في الضاحية وباقي المناطق اللبنانية.
· حتى الإعلام اعتاد الانفجارات، التي لم تعد حدثاً مدوياً يقلب الموازين، نسبة إلى المساحة الإعلامية المخصصة للتفجيرات حيث يسارع الإعلامي إلى التحليلات والتعليقات؟ فما هي الثقافة التي يجب على الإعلام بثها على هذا الصعيد؟
يجب على الإعلام أن ينطلق من قيم وطنية وإنسانية ومهنية، وتتفاوت نسبة الالتزام بهذه القيم بين مؤسسة وأخرى، ومدى الالتزام بالقيم نسبية. فكلما ارتفعت نسبة الالتزام بالقيم يكون لدى المؤسسة الإعلامية ضابطة مع أي حدث، نأخذ بعين الاعتبار دور وسائل الإعلام، ليس إيصال الخبر فحسب، إنما المساهمة بتنمية الروح الوطنية وترسيخها على العيش المشترك والوحدة الوطنية، ومنع الفتنة والمساهمة في عدم نشر الأفكار التحريضية. والمصداقية على رأس الأولويات. وتتقدم على السبق الصحفي فعندما يكون السبق الصحفي على رأس الأولويات تكثر الأخطاء الصحفية. كما أن في لبنان كل وسيلة إعلامية تعتمد على الرقابة الذاتية.
· ما هو مصير الثقافة والقراءة في زمن طوفان المعلوماتية، والفضائيات التي تشكل المصدر الأول للترفيه، وعزوف الأجيال الصاعدة عن القراءة لصالح الثقافة الالكترونية والتلفزيون؟
أهم تأثير للتكنولوجيا على الثقافة نتيجة العولمة من جهة، عبر التلاقح الثقافي الواسع. فلم يعد لكل بلد قيمه الخاصة، اختلطت القيم بين كافة المجتمعات العلمانية والإسلامية. وأضحت الثقافة مشاعاً أفقياً، أما من جهة الارتقاء العامودي فقد أصيبت الثقافة بنكسة التسطيح والضحالة، اختفى عمقها والتزامها. أضحت وجبة سريعة وسطحية أو مظاهر اجتماعية. فقد تراجعت القراءة والورق لصالح استخدام التكنولوجيا والانترنت هو أداة تكنولوجية، تسهل للكم الهائل والمتنوع من الكتب، إيجابيات طريقة الاستخدام؛ وهي إيجابية توفير الوقت والمال. فالتكنولوجيا إيجابية إذا أحسنا استخدامها في طريقة موجهة وآمنة لتربية أولادنا، هنا تكمن مسؤولية الدولة والقوى والمرجعيات السياسية ابتداءً من المدارس في تعلم وتعليم كيفية استثمار التكنولوجيا بطرق إيجابية. والاستفادة الواسعة من هذه المشاعية بالمعلومات والثقافة تصبح أكثر قدرة على الوصول لغزارة وتنوع المعلومات. فالتربية تبدأ مع النشأة. من هنا يجب تقرير برامج للأطفال على كيفية استخدام التكنولوجيا، بطريقة صحيحة.
· هل المثقف اللبناني بات حريصاً على الشارع أكثر من حرصه على وعيه؟
هذا ما يفرضه الواقع. الخالي من النتاجات الثقافية، الموجهة باتجاه جذب الثقافة نحو المواطن العادي. ثقافتنا نخبوية لا تلامس هموم المواطن العادي، فإلى جانب الثقافة النخبوية. نحن بحاجة إلى نتاج ثقافي غزير يلامس الهموم اليومية. لأنه يؤسس في النهاية للواقع السياسي وللحركة المجتمعية، نحن بحاجة لثقافة التماسك المجتمعي والتسامح، بعيداً عن استخدام العنف وفرض الإسلام بالقوة، عن طريق العنف (الإنتاج الفكري السلفي الوهابي وابن تيمية الذي تجسده جبهة النصرة وداعش) وهم الذين قسموا العالم إلى فسطاطين: دار الحرب ودار السلام. هي منظومات فكرية وثقافية توصل إلى استخدام العنف وقبول الديكتاتوريين. والإسلام المحمدي الأصيل يرفض الإكراه في الدين (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي).
· ماذا يقرأ العرب؟
بحسب الإحصاءات التي أجريت حول الثقافة العربية، فإن الكتاب الديني هو رقم واحد في القراءة العربية يليه كتاب الطبخ، الذي يأخذ المرتبة الثانية في العالم العربي وهو ما نعتبره مؤشراً غير إيجابي. ومن المفترض أن تتنوع القراءات الثقافية الفكرية بين سياسة وتاريخ وعلوم وفلسفة وأدب والانكباب على الكتاب الديني في العالم العربي.
· ما هي الحرب الثقافية الناعمة وأدواتها وأهمية الثقافة ودورها في هذه الحرب؟ وكيف نواجهها؟
الحرب الثقافية الناعمة هي القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية، بدل الإرغام، والقدرة على التأثير في سلوك الآخرين، للحصول على النتائج والأهداف المتوخاة دون استعمال القوة. وتعتبر القيم وجاذبية الرموز الثقافية من القوة الناعمة. المقصود هنا: القيم والمصطلحات الغربية كالديمقراطية والمواطنية… اما مصادر القوة الناعمة فهي مصانع هوليود والإنتاج الإعلامي والسينمائي، برامج التبادل الثقافي. الحرب الناعمة إذا عبارة عن استخدام الإعلام والتخطيط للتأثير على ثقافة الشعوب وفكرها. بدلاً من تكتيكات التهديد تعتمد الحرب الناعمة على الجذب والإغواء. ولعب دور المصلح والمنقذ. وتقديم النموذج الثقافي والسياسي. وبدلاً من استعراض الصواريخ وبث الرعب يتم إرسال الأقراص الممغنطة أو صفحات الفيسبوك للشباب والأطفال… كل حسب رغباته فالحرب الناعمة هي التطويع. إنها ثقافة الغزو، فيها عنصر الإبهار الذي يغلف السم من داخله.
الحرب الناعمة دخلت إلى كل البيوت على مدى 24 ساعة من خلال شاشات التلفزة والانترنت والهواتف الخلوية، في ظل عولمة ثقافية وإعلامية ومعلوماتية فورية مفتوحة، ومتفاعلة ومترابطة بشكل لا سابق له. فكل ما هو جنسيّ للاستمالة والجذب والإغواء الفكري والنفسي، بوسائل أكثر نعومة (أفلام، أقراص، صفحات Facebook ومسلسلات وSMS) يدخل في تعريف الحرب الثقافية الناعمة. والكناية أقوى من التصريح، لدينا 1700 قناة تلفزيونية، والأسرة غير المحصنة مفتوحة أمامها كافة القنوات. أما الأسرة المحصنة فيستخدم أبناؤها القنوات المنتخبة. إن الذي يفرق بين الحق والباطل، وبين الخير والشرّ عليه أن يميّز الثقافة المنحرفة. ينبغي على وسائل الإعلام والنشطاء والسياسيين والمسؤولين الابتعاد عن الخلافات الهامشية، ومواجهة الحرب الثقافية الناعمة، التي يشنها الغرب. والتي تستهدف بث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد. ومن أهم سبل مواجهة هذا الهجوم هو الرقابة وتثقيف وتوعية الناس، وكشف أهداف الحرب الناعمة، التي تستهدف جمهور الشباب والأطفال. كلما ارتفع مقدار الوعي، والثقافة والإيمان، والمناعة الأخلاقية لدى الناس، نحصن الأجيال من الخطأ والتمسك بالقيم والمبادئ الوطنية.