’بروفيل’ الرئيس المقبل مرآة للتسوية السعودية ـ الإيرانية

تفعّل فرنسا دورها على مختلف المحاور الإقليمية للحفاظ على كلمتها في الاستحقاق الرئاسي اللبناني.

فبعد مرافقته للسفير الفرنسي السابق في سوريا إيريك شوفالييه الى واشنطن، حضر مستشار الرئيس الفرنسي إيمانويل بون في زيارة ثانية الى بيروت تضمّن جدول أعمالها بنداً واحداً: الانتخابات الرئاسية اللبنانية. تجنّب بون، بحسب أوساط ديبلوماسية مطلعة على الحركة الفرنسية، الإشارة الى أية شخصية مفضلة أو مقبولة فرنسيا، رافضاً الدخول في لعبة الأسماء ومشيرا الى أنّ «فرنسا وأميركا تسعيان الى تحصين الاستحقاق الرئاسي الداهم»، بحسب ما نقلت عنه الأوساط ذاتها.
وتعتبر فرنسا أن الملفّ الرئاسي اللبناني يخصّها، وقد وجدت باريس نفسها في الآونة الأخيرة في موقع المدافع عن «صلاحياتها» بشراسة، في مقابل التأثير المتنامي الأميركي ـ السعودي. صحيح أنّ فرنسا هي «وكيلة» الأميركيين في لبنان، إلا أن لهؤلاء دورهم الذي يلعبونه في الكواليس بسرية وبفاعلية، وخصوصاً لجهة الاتصالات الإقليمية، وحتى في مراقبة حركة الزوار اللبــنانيين للعــاصمة الفرنسية، وتحديداً المرشحين الموارنة، فضلا عن المراقبة الأميركية للتواصل «المقلق» بين باريس وطهران في الملف الرئاسي اللبناني.
تدرك باريس أن أيّ حركة منها لا تلائم التوجهات الأميركية ستبوء بالفشل الذريع. أما السعودية فقد سهّلت تشكيل الحكومة الحالية بإيعاز فرنسي من الرئيس فرانسوا هولاند شخصياً، وعاد الرئيس سعد الحريري الى «الجنّة الحكومية» عبر عدد لا يستهان به من الوزراء والحقائب السيادية، ما انعكس قوّة دفع للدور السعودي في لبنان. يدرك المسؤولون الفرنسيون جيدا أنّ القطبين السنّي والشيعي ذوَا دور مؤثرّ بحزم على الاستحقاق الرئاسي، وبالتالي لا يمكن انتخاب أيّ رئيس بلا توافق هذين القطبين، وقد أبلغوا عبر القنوات الديبلوماسية أن الولايات المتحدة الأميركية لا ترغب بإلغاء تأثير أيّ من الطرفين: لا الشيعي ومن خلفه إيران، ولا السنّي ومن خلفه السعوديّة.
لذا بات الفرنسيون في حال من الحيرة، خائفين أن يسحب الأميركيون البساط من تحتهم في الاستحقاق الرئاسي اللبناني من دون أن يدروا، كما حصل في الاتفاق الأميركي الإيراني. ومع إدراكهم لتقدّم العلاقة بين السعودية وإيران بوساطة أميركية، تخاف باريس أن تتفرّد الرياض من جهتها بالقرار الرئاسي اللبناني. من هنا وجدت فرنسا أنها مضطرة للتقارب مع إيران أيضا، وقد قام مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جان فرانسوا جيرو بزيارة ثانية لطهران مؤخراً، وحرصت الدوائر الديبلوماسية الفرنسية على تظهير جوّ إيجابي. وبعدما «امتعضت» باريس في البداية من الاتفاق النووي بين إيران ودول الـ5 زائداً واحداً، استقبل مدير الشؤون السياسية في وزارة الخارجية جاك أوديير مطلع هذا الشهر نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون الأوروبية ماجد تخت رافنشي عضو الفريق التفاوضي الإيراني حول الملفّ النووي، وقبلت باريس التحاور المباشر معه حول هذا الملف ناقضة شرطاً كانت قد وضعته بعدم الحديث مع إيران إلا عبر الاتحاد الأوروبي.
ليس موضوع التقارب الفرنسي ـ الإيراني في الشأن النووي منفصلاً عن الإقرار بدور إيران في لبنان، وبأهمية الدور الإقليمي الذي تلعبه طهران في اختيار الرئيس اللبناني، تماما كما السعودية.
من هنا تقول الأوساط الديبلوماسية إن ثمة مؤشرين اثنين يمكن من خلالهما رصد حركة الاتصالات الدولية ومدى تقدمها في الشأن الرئاسي هما: توقيت حصول الاستحقاق، و«بروفيل» الرئيس العتيد.
فإن حصلت الانتخابات في وقتها، فسيكون ذلك مؤشرا لبلوغ مسار التفاوض الإيراني ـ السعودي نقطة متقدمة جدّا، وإن لا فإن ذلك يعني أن التفاوض بين القوتين الإقليميتين لا يزال مستمرا.
في التوقيت أيضا، تشرح هذه الأوساط أنّ أي فراغ قد يحصل بعد 25 أيار المقبل ستكون له مدلولاته أيضاً، لأن أي فراغ رئاسي في ظلّ عدم الاتفاق على قانون انتخابات نيابية يعني أن الفراغ بات ذا بعد تأسيسي. لذا يردد بعض الديبلوماسيين أن «الانتخابات قبل 25 ايار غيرها بعد 25 أيار». فالاتفاق على قانون جديد للانتخابات النيابية في ظل وجود رئيس شيء، وحصول الفراغ بلا قانون شيء آخر.
أسئلة أخرى تشغل الفرنسيين في «بروفيل الرئيس»: هل سيأتي رئيس مع كتلة نيابية وازنة؟ وهل ستكون له حيثية شعبية أم سيتم انتخاب رئيس مسيحي مجرّد من أيّ شيء ويحتاج الى مساندة الفريقين الشيعي والسني في كلّ خطوة يقوم بها؟ ثمّ هل تريد الدول الإقليمية، وخصوصا إيران والسعودية، رئيسا قويا أم لا؟
واستطرادا، فإن الأسماء المرشحة حاليا، ولا سيما سمير جعجع وميشال عون، هما اسمان أثبتا تعاملهما بندية مع الطرفين السياسيين اللذين ينتميان إليهما، فهل سيكونان مقبولين من الطرفين الشيعي والسنّي ومن الدول الإقليمية التي تقف وراءهما؟
وفي النهاية، فإنّ «بروفيل» الرئيس الذي سيقع عليه الخيار أيضا، سيؤشر الى مستوى الاتفاق الإقليمي الذي سينعكس حكما على الداخل اللبناني، من هنا يكثر الفرنسيون من حركتهم بين إيران والسعودية، إذ تدرك باريس أن آلية الانتخاب اللبنانية تحتّم أن يختار نواب هذا الطرف وذاك الرئيس المقبل.
أما بون ومساعدوه فيظهرون للإعلام 3 أفكار ليست صحيحة بالضرورة: أولاها أن الأميركيين غير مهتمين بالموضوع الرئاسي اللبناني، وهذا غير صحيح. وأن الاهتمام منصب على الهبة السعودية والأسلحة التي ستقدّم للجيش اللبناني، وسيقوم فريق عسكري أميركي من أبرز شخصياته مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى لورانس سيلفرمان بزيارة باريس قريبا للبحث في منع الإزدواجية في الهبة للجيش وفي الحفاظ على التوازن العسكري في المنطقة. كما يظهر الفرنسيون اهتمامهم بالموضوع السوري الذي لم تعد فرنسا تلعب فيه دوراً محورياً، وبات معروفا أن أية تسوية فيه ستكون إقليمية ودولية بين إيران والسعودية وبرعاية أميركية.

السابق
استياء أميركي يبعد بندر عن الواجهة السعودية
التالي
جبشيت