من يريد ترحيل المسيحيّين من لبنان؟

إقرار السلسلة على النحو المطروحة فيه سيؤدّي إلى ضرب قطاعين حيويّين شكّلا على مدى عقود مصدر حماية للوجود المسيحي في لبنان: القطاع التعليمي والقطاع المصرفي.

من أهداف السلسلة إقفال المدارس الكاثوليكية وتوجيه ضربة موجعة للرهبنات التي تشكل الضمانة للوجود المسيحي
إرتبط الوجود المسيحي في لبنان بمصادر قوّة مختلفة أدّت إلى تحصينه، ومن أبرزها المحفظة التعليمية، المحفظة الطبّية، المحفظة السياحية، المحفظة العقارية والمحفظة المالية، وأيّ استهداف لهذه الركائز يؤدّي تلقائياً إلى إضعاف الحضور المسيحي من خلال ضرب مقوّمات ارتباطه بلبنان.
وقد أتى الدور السياسي المسيحي كنتيجة طبيعية للتمدّد الديموغرافي والقوّة الاقتصادية والميزة التعليمية والثقافية، وشكّل بدورِه مصدرَ حماية واطمئنان لهذه الركائز التي نجحت في الحفاظ على البنية التحتية المسيحية إبّان الاستهداف المبرمج للبنية السياسية المسيحية السيادية الفوقية من جانب الوصاية السورية.

وإذا كانت التطوّرات المتصلة بقتال «حزب الله» في سوريا أدّت إلى ضرب القطاع السياحي، في سياق خطة تهدف إلى ضرب النواة الأساسية لهذا القطاع الممثلة بالمسيحيين والسنّة، من سوليدير إلى فقرا وما بينهما من منتجعات سياحية وصولاً إلى معاداة العرب، والخليجيّين خصوصاً، فضلاً عن كون هذا القطاع يشكّل نموذجاً للحياة يتناقض مع النموذج الذي يقدّمه الحزب للّبنانيين، فإنّ الإصرار على السلسة، على رغم كلّ التحذيرات السياسية والاقتصادية يهدف عن سابق تصوّر وتصميم إلى ضرب قطاعين حيويّين:

أوّلاً، القطاع التعليمي: لا يمكن التعاطي مع القضية التعليمية من زاوية كونها فقط ميزة تفاضلية للجماعة المسيحية، كونها لعبت أيضاً دوراً مزدوجاً في ربط العائلات المسيحية بلبنان: وفّرت الاستقرار التعليمي لهذه العائلات، وأمّنت آلاف الوظائف لهم.

وما هو معروض في السلسلة يفضي إلى الآتي: عجز العائلات عن تعليم أبنائها نتيجة زيادة الأقساط، ما يؤدّي إلى عجز المدارس عن دفع مستحقّات المعلمين نتيجة زيادة الرواتب، واستطراداً الاستغناء عن خدماتهم، وبالتالي إقفال قسم كبير من هذه المدارس وهجرة آلاف العائلات المسيحية وتسديد ضربة قويّة وموجعة للرهبانيات ودورها، الأمر الذي يدفعها إلى التخلّي تباعاً عن محفظتها العقارية حفاظاً على وجودها، ما يؤدّي إلى تقلّص الحضور المسيحي وامتداده، وصولاً إلى تهديد الوجود المسيحي هذا.

ثانياً، القطاع المصرفي، شكّل هذا القطاع العمود الفقري للاقتصاد اللبناني والاستقرار النقدي، وقاعدته الصلبة هي مسيحية-سنّية، والهدف من خلخلة هذا القطاع وزعزعته وضرب الرافعة الأخيرة للاقتصاد اللبناني في هذه اللحظة يكمن في الآتي:

أ- إنهيار أيّ دولة يتمّ من البوّابة الأمنية أو الاقتصادية. وعندما رأى «حزب الله» أنّ إشغال اللبنانيين بالوضع الأمني تحويراً للنقاش عن سلاحه وتدخّله في سوريا قاد إلى ما لا يُحمد عقباه بفتح الساحة اللبنانية أمام القاعدة وأخواتها، قرّر إقفال هذا الملف ونقل الانشغال إلى الباب الاقتصادي-الاجتماعي.

ب- التنازلات التي كان يريد «حزب الله» فرضَها على 14 آذار وتحديداً «المستقبل» من خلال ضرب الاستقرار في المدن السنّية ارتدّت عليه، ما دفعه إلى استدراج الشراكة مع «المستقبل» لمواجهة التطرّف السنّي. وما يحصل في موضوع السلسلة يؤشّر إلى وجود المخطط نفسه الذي يرمي إلى ليّ ذراع 14 آذار من أجل جرّها إلى مزيد من التنازلات، والقبول بأيّ شيء سياسي واقتصادي.

ج- الضغط الاقتصادي يدفع الناس إلى التسليم بأيّ رئيس للجمهورية من أجل المساهمة في الإنقاذ والخروج من الورطة التي وصلت إليها البلاد.

د- دفع البلد نحو الإفلاس يجعل الناس يقبلون بأيّ شيء لإخراجهم من هذا الوضع المعيشي المأسوي، حيث سيُصار إلى تهريب الكونترا النفطي الذي يتطلّب ظروفاً حامية واستثنائية لتقطيعه.

لقد قام النظام اللبناني ونهض منذ تأسيسه على منظومتين: اقتصادية، وقيمية متصلة بالحرّيات السياسية، ومن الواضح أنّ هناك من يحاول استبدال مواقع القوّة الاقتصادية التي كانت وما زالت مسيحية-سنّية بالتحوّل إلى عرّاب المشاريع النفطية، بُغية الإمساك بالقرار الاقتصادي للتحكّم بالحياة السياسية، وجعلِ «المقاومة» ثابتةً من ثوابت النظام اللبناني، كما ضرب الحرّية على أنواعها بغية تجفيف مواقع الاعتراض على الوجه الجديد للبنان الذي يحاول «حزب الله» تثبيته وتعميمه.

فما يجري يتجاوز كونه ليس بريئاً فقط إلى مخطط واضح يستكمل ما بدأته الوصاية السوريّة من التجنيس إلى القمع لإخضاع المسيحيّين وجعلِهم يتقبّلون الأمر الواقع تمهيداً لطلب الحماية منها، واستطراداً تخلّيهم عن مطلب خروجها من لبنان، وبالتالي المخطط نفسُه يتكرّر بهدف مواصلة إخضاع المسيحيين وتهجيرهم، وهذه المرّة من البوّابة الاقتصادية، لجعلِهم يتخلّون عن مطلب تسليم «حزب الله» لسلاحه، خصوصاً أنّه تبيّن للعقل الممانعاتي أنّه لا يكفي ضرب الجسم السياسي المسيحي، إنّما المطلوب ضرب الطبقة الوسطى وتحديداً البنية التحتية المسيحية التي تتجسّد في التعليم والطبابة والسياحة والمصارف… من أجل وضع اليد على لبنان.

السابق
هل بدأ دور «حزب الله» يُزعج الأسد؟
التالي
التضخم في دبي يقفز الى أعلى مستوى