حزب الله: هل حانت ساعة العودة؟

في مثل هذا الشهر من العام الماضي سقطت بلدة القصير في ريف حمص بيد القوات السورية، فكان لاندحار المعارضة هناك الوقع المدوي، لناحيتين الاولى ان خسارة المجموعات المناوئة للنظام كانت الخسارة الاولى الكبرى بهذا الحجم وبهذه الاهمية الاستراتيجية، والثانية ان قوات “حزب الله” أدت دوراً ريادياً، في هذا المكسب لدمشق. وبناء على هذه الواقعة صار الحزب وخصومه في آن “يحيون” كل على طريقته ما صار يعرف بالذكرى السنوية الاولى لانخراط “حزب الله” في الميدان السوري. حدث، ولا ريب، ثقيل الوطأة على الحزب إن لجهة المقدمات أو لناحية التداعيات والنتائج، فمنذ ذلك التاريخ حتى اليوم، صار خصوم الحزب يقاربون هذا الحدث وكأنه نقطة الضعف الرئيسية في سلوك الحزب وأدائه، نسوا قصة سلاحه وتجاهلوا قضية حدث 7 أيار، وصار التركيز على دعوة الحزب للخروج من قلب الميدان السوري، وصاروا يعتبرون هذا التدخل مبرراً ومسوغاً للاحداث الأمنية التي شهدتها طرابلس، وتلك التي عانت منها بلدات حدودية مثل عرسال ووادي خالد، فضلاً عن اعتبار هذا الدخول مبرراً لنشوء حركة الشيخ أحمد الأسير في صيدا، أو سواها من الظواهر المتمردة والخارجة على النظام العام، فضلاً عن أن كل الانفجارات والتفجيرات واعمال قطع الطرق الدولية وسواها من ممارسات مخلة اعتبرت ردات فعل مبررة على ولوج قوات الحزب الى داخل النار السورية المشتعلة. ولم يعد خافياً ان دفاع الحزب عن هذا المسار الذي دفعه الى ركوب هذا المركب الخشن كان في البداية دفاعاً ضعيفاً، بل وبدا أحياناً كثيرة مرتبكاً، أمام هجمات خصومه وأمام تساؤلات شريحة واسعة من جمهوره وقاعدته خصوصاً أمام اعتبارات اساسية:

الاول: العدد الكبير نسبياً في بدايات المعارك لجثث المقاتلين العائدين في توابيت من الميدان.
الثاني: الحملة العالية الوتيرة التي شنت على الحزب من الداخل ومن الدول الخارجية والتي تماهت مع الحملة التي كانت في ذروتها يومذاك، خصوصاً ان الرهان على ان النظام ساقط ولا محالة وفي أقرب وقت ولم تكن صورة المعارضة على هذه الدرجة من السوء كما هي حالياً.
الثالث: ان قيادة الحزب أخذت قرار الانخراط في الميدان السوري وعلى هذا النحو من الاتساع بشكل مفاجئ ومن دون تحضير وتهيئة، واستطراداً من دون أن تقدم تبريرات مقبولة ومعقولة للمعنيين.
الرابع: ان دخول الحزب في دائرة اللهب المستعرة في سوريا فاقم الاحتقان المذهبي من جهة، وزاد منسوب الاضطراب الداخلي لدرجة أحرجت أحياناً حلفاء الحزب من غير الشيعة.
وهكذا وجد الحزب نفسه وسط جملة احداث داخلية جسيمة افتعلها خصومه تحت ذريعة انخراطه في الميدان السوري. وحملة الخصوم هذه على الحزب كانت موجودة بالاصل وبالتحديد منذ أن أسقط حكومة الرئيس سعد الحريري بالضربة القاضية، لكن قراره بالسير خلاف مناخات كبرى مناهضة للنظام في سوريا قوّى أوراق مناوئيه ونمّا بؤر التوتر والمناخات الاصولية، وأعاق عمل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وزاد ارتباكها وتعثرها.
ولا شك ان الحزب عاش لحظات حرجة وصعبة حيال اشتداد وتيرة هذه الهجمة عليه خصوصاً ان خصومه ضيقوا الخناق عليه وقطعوا أمام مواكبه الطرق وفجروا العبوات بمسؤوليه على طريق المصنع، و”زرعوا” الحالة الأسيرية على الطريق الى معقله في الجنوب لدرجة أحس بعض قادة الحزب ان القرار المتخذ بحقه هو محاصرته ومنعه من الحراك، وجعل حركة عناصره وكوادره محفوفة بالمخاطر، خصوصاً بعدما خرج الاوروبيون عن الطريقة المألوفة للتعامل معه فوضعوا جناحه العسكري على لائحتهم للمنظمات الارهابية، فيما بدأت اسرائيل تخرج هي ايضاً بدورها عن صمتها حياله وترفع عقيرتها بالتهديد والوعيد وتضاعف عمليات تحرشها به.
وكانت ثالثة الاثافي بطبيعة الحال انخراط رئيس الجمهورية ميشال سليمان في جبهة المعارضين بشدة لدخول الحزب الى سوريا الى درجة انه جعل هذا الأمر شغله الشاغل، وصيّره مادة رئيسية في كل خطاباته وتصريحاته. بالاجمال دفع “حزب الله” اثماناً سياسية جسيمة نتيجة قراره المفاجئ بالتدخل في سوريا، اذ شعر ان خصومه نجحوا اجمالاً في جعل الارض تميد من تحت اقدامه. لكن اشهراً سبعة احتاجها الحزب لكي يستعيد توازنه ويستعيد زمام اللعبة حارماً خصومه، كما تقول دوائره، من فرصة اصطياده بعد ضبطه متلبساً بجرم التخلي عن الدور الذي تنكّبه طويلاً وورط نفسه في لعبة اقليمية دولية كبرى، قلما شهدت المنطقة والعالم نظيرهما في العقود الأربعة الماضية، من حيث تعقيدها وتشعبها، ومن حيث كثرة المتبارين في ميدانها ومسرحها داخلياً واقليمياً ودولياً.
وعليه لم يكن مفاجئاً أن يختار الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله مناسبة مرور السنة الأولى لدخول حزبه الميدان السوري، ويجري مقابلة صحافية امتدت على نحو 7 ساعات تميزت باتساع مواضيعها وثقة السيد بنجاعة القرار الصعب الذي أخذه بعد تفكير طويل بالدخول لاعباً اساسياً في ميدان مكتظ ومزدحم بعدد اللاعبين.
البعض قد يرى ان الحزب وسيده “يكابران”، فالأزمة السورية ما زالت مفتوحة على احتمالات التصعيد والتعقيد، فالنظام وإن حقق مكاسب في جزء ما من الميدان، فإن دائرة اعدائه ما تلبث ان تضخ له جبهات استنزاف جديدة تبدد وهج ما حققه، وتبلغه رسالة فحواها ان الانتصار النهائي محرّم عليه.
اضافة الى ذلك فإن خصوم الحزب بدأوا يعتبرون خطاب رموز الحزب الآخر حول مسألة انسحابه من الميدان السوري بعد كل ما تحقق تنبع من اعتبارات ميدانية – سياسية، هو بمثابة مقدمة تمهيدية لجلائه عن الميدان الذي انزلق اليه خلافاً للعديد من الحسابات.
وبناء على كل هذه الاعتبارات والتكهنات فان ثمة من يوجّه الى قيادة الحزب سؤالاً ملحاً عن امرين اثنين. الاول: هل اظهرت نتائج الدخول الى الميدان السوري ان قرار الدخول لم يكن خاطئاً، ام أنها كانت خطوة ارتجالية متسرعة؟
لا شك ان قيادة الحزب بدأت تتصرف في الآونة الاخيرة تصرّف الواثق من نجاح قراره من خلال تظهير واقعين اثنين: الاول النجاحات المتكررة في الميدان لدرجة ان ثمة من يتحدث عن دخول الحزب قلب المعادلات الميدانية والسياسية، والثاني ان المجموعات المسلحة المنتمية الى افكار ومعتقدات سلفية تكفيرية لم تكن اطماعها وطموحاتها تتوقف عند حدود اسقاط النظام في دمشق. بل هي سعت وتسعى الى أبعد من ذلك، ولبنان بكل ما فيه من انتماءات واطياف ليس بعيداً عنها.
وثمة في الحزب من يتحدث صراحة عن خبرات ميدانية اكتسبتها قوات الحزب المقاتلة وعن توسيع لآفاق حدود المواجهة مع اسرائيل.
الثاني: هل ان لحظة خروج الحزب من الميدان السوري قد أزفت بعد كل ما أنجز وتحقق؟
على هذا تعطي قيادة الحزب اجابات من نوع حمالة الاوجه، فالوجود في سوريا ليس ابدياً ولكنه خاضع لحسابات ميدانية وسياسية حاضرة ومستقبلية.

السابق
لبنانيون بهويات اجتماعية
التالي
الخارجية المصرية تشنّ حملة على الإخوان