الرجل… ذلك المجهول

كيف هو الرجل؟ كيف يكون، بأي طبائع مثلاً، ذاك الرجل المقترن بواحدة من “المحظوظات” اللواتي خرجهن من أسر العهود الماضية وخضن الغمار نفسها، المجالات نفسها التي كانت خلال تلك العهود حكراً عليه وعلى أبناء جنسه؟ كيف يكون، من طفولته حتى مراهقته وشبابه… إذا كانت أمه من هذا الصنف من النساء؟ حسناً، لو كانت تلك الزوجة أو الأم غير “محظوظة”، إنما فقط ابنة عصرها، تخرج، أو تعطي رأياً، أو تسمع كل ما يقال عن النساء… كيف يكون هو؟ كيف يتجه برغباته ومشاريعه وسلوكياته؟

ما الذي يشعر به الرجل عندما يسمع أو يقرأ مثلا، إن المرأة الفلانية “تخترق” أو “تتحدى” واحدا من المهن أو المواقع او المسؤوليات الجديدة على بنات جنسها، بعدما لمع بها الرجال؟ كأن تكون “أول امرأة” رئيسة وزراء أو مخترعة دواء لمرض مستعصٍ أو عابرة المحيط بمفردها أو كاسرة أرقاما قياسية في رياضة من الرياضات أو قائدة لواء عسكري أو رئيسة مجلس إدارة شركة متعددة المشاريع… هل يشعر بالإستفزاز؟ بالخطر على نفسه؟ أم يريحه هذا التحدي؟ ينزع عن أكتافه حمل القيادة وهمّ الهيمنة، الطويل؟

كيف يحب الرجل؟ كيف يرغب؟ ما هي الآليات النفسية الداخلية المحركة لخياراته للجنس الآخر؟ نحن نعلم، بشيء من الملاحظة، التي لا يمكن أن تعمّم نتائجها على جميع الرجال… فقط مجرد ملاحظة، ان الحياة العاطفية والجنسية للرجال الذين حولنا، هي أقرب الى صورة عاشق لوليتا: مهما شاخوا وهرموا، مهما كانت مستوياتهم الثقافية والفكرية، هم ينجذبون للشابة الصغيرة. وإذا خجلوا قليلا، يرنون إلى الأصغر منهم بسنوات، أو بعقود. نعلم أيضا إن حياتهم الزوجية ليست طاهرة، بل إنهم يميلون إلى التعدد غير الرسمي، يتنهدون حسرةً من رابطهم الزوجي. حسنا هذا كل ما نعلم. أما مخزونهم النفسي الداخلي، فنجهل معظمه. مثلاً: هل ينفصل الرجال، ذهنياً، عن واقعهم، عن سياقهم، عن قولهم، عندما يغوصون في عوالم الحريم السلطاني؟ ذهنيا أو حلماً أو هاجساً؟ قد لا تكون هذه الأسئلة هي الصالحة، لأن التي تطرحها امرأة. قد يكون الرجل أعلم بدواخله، وتكون أسئلته أكثر مطابقة لواقع خيال الرجل وأحاسيسه ورغباته.

نجهل الكثير عن الرجل. ولكن ما هو واضح عنده، كعين الشمس، انه عندما يجتمع مع أقرانه من الرجال فقط، من دون نساء، يتحكم باجتماعهم قانون الهرمية إياه، المعلن أو الضمني: القائد أو الوجيه أو الزعيم أو النجم أو الفنان أو الأكثر ثراء هو الذي يحتل في هذا الاجتماع موقعاً أعلى؛ ثم تتدرج الرتب نزولا حتى الأدنى، الأقل حظا بواحدة من مميزات القوة هذه. ولكن ما لا نعلمه، هو الحركة الدقيقة التي تنظم هذه الهرمية. والأهم من ذلك كله، بما تطبع الذكورة؟ أي معنى تعطيه لها؟ أي شحنة؟ هل يكون هذا الاجتماع هو البؤرة الحية صانعة مفاهيم الذكورة التي تشكو منها النساء؟ هل يكون خزانها؟ كيف؟ كيف يزيح الرجل هذه البؤرة من ظلامها وينقلها الى الخارج؟ فإذا كانت الأنوثة صناعة اجتماعية، قليلة البيولوجية، على ما تقول، وعن حق، نسويات العصر الحديث، ما جعلهن ينكببن على كيفية هذه الصناعة، فماذا عن صناعة الذكورة؟ كيف تحصل؟ بأي آليات؟ يكتفي بعض الرجال “المحظوظين”، بالتمييز بين الذكورة والرجولة؟ ليتخلصوا من شر الإدانة النسائية؟ يكتفون بالتمييز بين الرجولة، حاملة الأوصاف الجميلة للرجال، وبين الذكورة، عكسها، البغيضة. ما هي بالضبط هذه المضامين المنشودة، أو المنبوذة؟ كيف تشكّلت؟ من أي مخزون قديم، أو جديد، تستمد حيوتها؟

لماذا كل هذه الأسئلة القليلة وغيرها الكثير؟ لأن مجال المعاني يفيض بأدبيات نسائية ونسوية، تطالب، تنجز، تخترق، تدين، تدرس تبحث تقيم المؤتمرات والتكريمات تعتصم تتظاهر… الخ. فيما الرجال لا نعرفهم. إذا اهتممنا بهم، نخمن، نلاحظ، نتابع… من غير دقة. لا نملك إلا إنطباعاتنا وتجاربنا وإحتكاكاتنا الخاصة، الناجمة عن تجاربنا، الضيقة حتماً، وليس عن معرفتنا أو قراءتنا. أما إذا لم نهتم، فنشغّل التعميم المريح، ويكون “كل الرجال… كذا وكيت” من الأوصاف السلبية دائماً وأبداً.

هذه أسئلة القليلة ليست للقول، مزحاً، بأن الرجال “حرام…”، يستحقون مركزاً أو جمعية تدافع عن حقوقهم المهدورة أمام التسونامي النسائي الهادر… لا ليس كذلك. إنما من أجل استكشاف ذلك المجهول، الرجل. ثم دمج معرفتنا به بمعرفتنا بها لنصنع معنى آخر للعلاقة بين الجنسين. بذلك، قد يفهم الرجل نفسه قليلا، قد تفهمه المرأة أيضاً. إذ لا يجدي البحث والتفكير بقضايا المرأة من دون ان تتوازى مع البحث والتفكير في قضايا الرجل، موازاة منتظمة.

 

السابق
MTV: توقيف أحد مساعدي برلسكوني في بيروت وهو مطلوب بموجب مذكرة انتربول
التالي
تدابير امنية لمناسبة الاعياد