ممَّ تشكو «الأفغنة»؟

ضرب الأفغان مثلاً في إجراء انتخابات نظيفة. لم ترهبهم تهديدات حركة “طالبان” وتنظيم “القاعدة” وسائر المتطرفين. كأنهم ضاقوا بعقود الإحتلال والحرب والفوضى والسمعة السيئة. لا ضير أن يقتدي العرب بسعي الأفغان هذا الى حياة ديموقراطية. مم تشكو هذه “الأفغنة”؟

تكتسب الانتخابات الرئاسية والمحلية في أفغانستان أهمية تاريخية. تشكل علامة فارقة أولى للتداول السلمي للسلطة. ها هو حميد كرزاي يلتزم الدستور الذي يحدد مدة الرئاسة بولايتين كل منهما ست سنوات. يفتح الباب واسعاً أمام تجربة لا سابق لها في بلاد الباشتون التي تناوب عليها الاستعمار الإنكليزي والإحتلال السوفياتي والإحتلال الأميركي، والتي مزقتها الحروب والانقلابات والمحن بين الحكم الملكي والنظام الشيوعي والشريعة الخاصة بالمجاهدين.

ليس سهلاً أن يتغلب الشعب الأفغاني على اختلافاته الدينية والعرقية والقبلية العميقة. يبعث على الأمل وقوف الشباب والبنات في صفوف طويلة أمام مراكز الاقتراع، معلنين رفضهم العودة الى الزمن “الطالباني” و”القاعدي”. يؤسسون للمرة الأولى لعملية سياسية أفغانية أصيلة، يشهد على نزاهتها واستقامتها مراقبون مستقلون. غير أن هذه الخطوة الاستثنائية الأولى تقتضي احترام المرشحين كافة نتائج التصويت. تغربل صناديق الاقتراع في الدورة الأولى من يبقى الى الثانية المرجحة بين المرشحين الثمانية الرئيسيين الشهر المقبل. حتى الآن، يحترم هؤلاء تقدم زلماي رسول وعبد الله عبد الله وأشرف غني أحمدزاي في استطلاعات الرأي. ليست هذه بالطبع سوى بداية يتوقع أن تكون محفوفة بأخطار كثيرة.

لسنوات طويلة، كان تعبير “الأفغنة” – على غرار “الصوملة” – سلبياً. يدل الى الشقاء والخشونة والتخلف في مجالات الحياة المختلفة، في الحكم السياسي والنظام الاقتصادي والتفاعل الاجتماعي والتعليم والطبابة والتنمية وغيرها من القيم الإنسانية. غير أن التجربة الأفغانية الجديدة تذكر العرب بما حمله جمال الدين الأفغاني يوماً من البلاد التي ينسب اليها في نهايات القرن التاسع عشر. جاء ناشطاً سياسياً ومصلحاً دينياً في زمن احتاجت اليه مصر وغيرها من الأرض العربية.

تسربل المصريون بعد “ثورة 25 يناير”. علقوا بين “أخونة” حاول الرئيس المعزول محمد مرسي فرضها، و”عسكرة” يأتي بها المشير عبد الفتاح السيسي. يكاد السوريون يندمون لأنهم حلموا برئيس غير بشار الأسد. يدفع العراقيون المزيد من الدماء لأنهم أخفقوا في المحافظة على ديموقراطية زائفة أتى بها الاحتلال…

وحدهم اللبنانيون كانوا يتغنون ببعض الحرية والتعددية والتداول السلمي للسلطة في مواجهة اسرائيل الساعية الى صفاء “الدولة اليهودية”. غير أن بعضهم خرّب ما كان مضرب مثل. ها هم يضربون أخماساً لأسداس لأنهم اقتربوا من الإنتخابات.
حبذا لو نقتدي بهذه “الأفغنة”!

السابق
إجتماع أمني عند 9:30 في بعبدا برئاسة الرئيس سليمان
التالي
النفوذ الأميركي تراجع على الساحة العالمية