الأكي دنيا.. ذهب الأرض الأصفر

تشبه الذهب الأصفر، حبّات “الأكي دنيا” المتلألئة على اكتاف صيدا شمالا وشرقا وجنوبا، كأنها الفرح الذي يزنّر المزارعين واعداً بموسم خيّر ومعطاء بخلاف الشتاء الذي أصابه القحط والجفاف هذا العام.
فاكهة الربيع وهديته للصيف، ومصدر رزق وعيش آلاف العائلات في الجنوب الذ تشتهر فيه هذه الزراعة، ولا سيما في المناطق القريبة من الساحل او المشرفة عليه، يسابق الى قطافها عشرات العمال في حقول بقسطا شمال صيدا قبل ان يدركها الحر. فالطقس الربيعي الذي يشهده الساحل الجنوبي وان مال الى البرودة ليلا، يبقي تلك الثمرة نضرة مكتملة النضج، لكن المناخ الحار بحسب المزارعين يؤذيها.
في تلك المنطقة، المزارعون والقاطفون راضون عن موسم هذا العام لجهة الحمل والنضج، ويرى بعضهم ان التقلبات المناخية جاءت لصالحهم، كون الشتاء بقي معتدلا نسبيا مقارنة معه في الفترة نفسها من السنة الماضية.تصريف محلي
واذا كان المزارعون والملاك قد تمكنوا من تخطي مشكلة اليد العاملة وكلفتها العالية وذلك بالاستعانة بالعمال السوريين الذين تضاعفت اعدادهم مع استضافتهم لعائلات سورية نازحة من اقاربهم، وكذلك حماية الانتاج من اية امراض زراعية قد تصيبه، فان المشكلة الاكبر التي تواجههم حاليا هي عدم وجود اسواق تصريف في ظل اقفال الحدود مع سوريا وعبرها مع البلدان العربية، وارتفاع كلفة الشحن والتسويق والتصريف جوا او بحرا، الأمر الذي يغرق الأسواق اللبنانية بانتاج الأكي دنيا وبالتالي قد يخفض من مردوده على المزارع اذا كثر العرض وقل الطلب.

سلال “الأكي دنيا”
في مزرعة الشيخ وليد مزهر في بقسطا يشرف حنا ابراهيم على مجموعة من العمال وهم يقطفون محصول الأكي دنيا الذي انضجه موجة الحر الأخيرة وانقذه تبدل الطقس الى بارد فمعتدل لنقله الى مراكز التوضيب في سلال القش ثم في صناديق البلاستيك..
يوضح ابراهيم: “موسم الاكي دنيا هذه السنة جيد، ونحن هنا في بقسطا نعتمد على جودة الانتاج اكثر من كميته. ونستطيع القول ان الطقس كان عاملا مساعدا لنضج الثمر الذي يحتاج الى مناخ معتدل .. والشتوة الأخيرة اعطت روحا للأكي دنيا ونأمل ان يبقى الطقس ربيعيا حتى ننهي قطاف المحصول. وبالنسبة لتصريف الانتاج من المعروف ان السوق اصبح فقط محليا، بعدما اصبح متعذرا تصريف الانتاج عبرالحدود مع سوريا”.

تراث صيداوي
وعلى الرغم من التمدد العمراني الأفقي فيها، لا تزال مدينة صيدا تحافظ على بضع مساحات خضراء مزروعة ببساتين الأكي دنيا، ولا تكاد تخلو حديقة منزل قديم من منازلها من هذه الشجرة، فضلا عن منازل بنيت اساسا وسط بساتين الأكي دنيا والبوصفير.. فبقيت العائلات الصيداوية محافظة على هذه الزراعة ولو على نطاق ضيق.
ويقول سعد الدين اليمن ( ابو احمد): “الأكي دنيا جزء من تراث صيدا، وهي كانت في الماضي مصدر عيش قسم كبير من عائلاتها واذكر ان موسم القطاف كان يعتمد على” العونة” بين افراد العائلة والجيران، لكن اليوم الوضع تغير، فالمساحات المزروعة بهذه الشجرة تقلصت في المدينة واصبح المزارعون يعتمدون على اياد عاملة بالأجرة لانشغال الأبناء بمشاغل وهموم الحياة، بينما لاتزال هناك مساحات كبيرة مزروعة بهذه الثمرة في كل المنطقة المحيطة بصيدا من علمان الى بقسطا الى المجيدل الى الزهراني”.

ويفرّق بين اربعة انواع من الأكي دنيا: “الأحمر الممتاز (الوطني) وهو افضلها، التركي ذو الحبة الكبيرة، الاسباني والرازياني الأبيض الحلو..، ويضيف: “يبدأ قطاف موسم الأكي دنيا من منتصف اذار ويمتد حتى اخر نيسان اذا اسعفه المناخ الربيعي الدافئ ولم يصبه ثلج كانوني او حر خماسيني.. ولا يوجد تصريف للانتاج الى الخارج ولا يوجد منافسة في الداخل لأنه لا يأتي من الخارج كثيرا بسبب اقفال الحدود البرية”.

وعلى مقربة من حديقة ابو احمد، ينتشر عدد من الباعة الجوالين وهم ينشرون سلال القش الممتلئة بحبات الأكي دنيا المقطوفة حديثا لبيعها للعابرين بسياراتهم.. رزقا من خير الأرض وذهباً من كنوز الطبيعة.

السابق
العشاء بعد السابعة ’كارثة صحية’
التالي
آلان عون: العلاقة مع تيارالمسقبل في تحسن