البدء بعزل لبنان عن سوريا

حانت اللحظة ونضجت الظروف فبدأ تطبيق الخطة الامنية جدياً للمرة الاولى في عاصمة الشمال. فعدا عن انّ الجولة العشرين كشفت تطوّر انواع السلاح الموجود ليصل الى حدود تبادل القصف المدفعي، وعدا عن أنّ جبهات القتال والمناطق المحيطة اصبحت ملجأً لأنواع العناصر الخطرة كلها الهاربة من جحيم المعارك السورية، وعدا عن أنّ هؤلاء المسلّحين باشروا تطبيق نظريات «القاعدة» في استهداف دوريات الجيش والدعوة عبر مكبرات الصوت الى «الجهاد» ضدّه وتحريض العناصر السنّية على ترك الجيش، او بكلمة ادق فرطه وتفكيكه، عدا عن كلّ هذا، فإنّ أحد اسباب التوافق القسري على انجاز الولادة الحكومية، انما كان يتعلق بتأمين الغطاء السياسي لهدم هذه الاوكار الامنية الموجودة كلها.

وهنالك من قرأ في التصعيد الأخير رسالة قطرية في وجه الحكومة التي جاءت من خلال تفاهم سعودي – ايراني ولو بالحدّ الادنى، ومن زاوية التناقضات السعودية – القطرية التي انفجرت أخيراً.

كلّ ذلك صحيح، لكنّ الأصح اكثر هو انّ هذه الخطة الامنية ما كانت لترى النور لولا المستجدات الميدانية السورية في المناطق المتاخمة للشمال اللبناني، ما افقد هذه المجموعات المسلحة العمق العسكري الذي كانت تستمدّ منه قدرة البقاء والشغب.

فمع سقوط قلعة الحصن في حمص، إضافة الى معركة يبرود ومن خلالها السيطرة على منافذ التواصل اللبناني – السوري، بدت المجموعات المسلحة في لبنان مطوّقة وضعيفة. فالجيش السوري النظامي يستعدّ للبدء بزرع ألغام على طول الحدود الفاصلة ما بين الاراضي السورية والشمال اللبناني، إضافة الى البقاع الشمالي.

ولا تبدو العواصم الغربية بعيدة عن هذا الاجراء، ذلك أنّه في وقت سابق جاء من يجسّ نبض دمشق وجهات محددة في لبنان، حول السماح لطائرات من دون طيار (درون) اميركية تولّي مهمة استهداف تنقلات المجموعات الارهابية من الاراضي السورية في اتجاه لبنان.

وصحيح انّ «حزب الله» كان يعاني بشدة يومها من العمليات الانتحارية لهؤلاء، إلّا أنّه عارض الخطوة بشدة خشية استباحة السماء اللبنانية واستخدام هذه الطائرات ضده في مراحل لاحقة.

المهم هو انّ ايّ خطوة في اتجاه ضبط الحدود يباركها الغرب ولو من دون الاعلان عن ذلك، فحتى باريس التي وصلت متأخرة جداً بات كلامها الرسمي يتحدث عن المفاضلة بين النظام والارهابيين المتشدّدين.

وتنفيذاً للقرار الكبير المتخذ، تولّى كل فريق ترتيب اوضاع رموزه الكبار في باب التبانة وجبل محسن من خلال تأمين نقلهم الى خارج الاراضي اللبنانية. وتأكيداً لجدية الخطة سيضع الجيش اللبناني يده على مخازن الذخيرة.

وحسب المعلومات المتوافرة فإنّ هذه المخازن كانت موزعة خارج منطقة باب التبانة ويخضع كلّ مخزن لطرف سياسي في مدينة طرابلس. وكان مقصوداً أن تكون هذه المخازن بعيدة عن متناول المسلحين لكي لا يسيطر هؤلاء على الذخائر وتخرج المسألة عن توقيت الجهات السياسية التي كانت تباشر تفجير الوضع وفق معطيات معيّنة ولتوجيه رسائل مختلفة.

وعندما يريد أحد الاطراف توجيه رسالة ميدانية كانت تتولى سيارات معينة من نوع «رينو رابيد» توزيع الذخائر على العناصر والمجموعات التي كانت مرتبطة بها مالياً ما يؤدي الى اشتعال الجبهة.

وعندما أُنشئ ما يشبه المربع الامني داخل أزقّة باب التبانة، كان مقصوداً ترك مستودعات الذخائر خارج المنطقة. وبات معروفاً لدى الاجهزة الامنية اسماء الجهات السياسية التي تشرف على كل مخزن من هذه المخازن.

المهم انّ صفحة سوداء من تاريخ طرابلس قد طويت على الاقل في المدى المنظور وبات السبب الذي املى هذه التركيبة الحكومية اكثر وضوحاً. فيما الحديث جارٍ عن المرحلة التالية من الخطة الامنية والتي يُفترض أن تطاول المنطقة الاكثر خطورة وتعقيداً وهي جرود عرسال حيث تتخندق عناصر خطرة قادرة على هزّ الاستقرار في كل لحظة.

السابق
متطرفون يهود إقتحموا قبر النبي يوسف في الضفة
التالي
ماذا يعني تنفيذ خطة أمنية في طرابلس وعرسال… ونجاحها؟