معركة كَسَبْ: لماذا؟ ما لها وما عليها!

الرئيس بشار الأسد في مأزق حقيقي. انتظر الهجوم العسكري في درعا، فوقع في كسَب. لو لم تكن كسَب «البوابة الخلفية» للجبل العلوي، والطريق الى البحر، لكان المأزق عادياً. في سوريا لا يجب استبعاد المفاجآت. يبدو أن الأسد كان مطمئناً الى مربّعه الجبلي، فتركه مكشوفاً فوقعت ما يشبه الكارثة. لم تكن عملية كسَب استعراضاً مسلّحاً. كانت عملية عسكرية مدروسة جيداً. لذلك كانت المفاجأة كبيرة وصاعقة، فارتبك النظام الأسدي كلّه.
الخسائر الفادحة التي وقعت في الأيام الأولى للهجوم تؤكد أن الأسد كان مطمئناً. اطمئنان الأسد يعود الى أن منطقة الساحل كلها وبكل تعدّديتها الطائفية من سنّة وأرمن وعلويين خاضعة كلّياً لقبضة آل الاسد الحديدية. كل الساحل عملية استثمارية غير محدودة العائدات لآل الأسد. لكل فرع في العائلة مرفأه الخاص الذي يستثمره، ضمن ترتيبات «مافياوية» حقيقية.

سنّة اللاذقية دخلوا في آلة آل الأسد أكثر من سنّة دمشق، لأن القرداحة تمسك بمفاتيح السلطة. مجرد وصول المعارك الى هذا «المربع الأسدي»، اعتبر خللاً خطيراً يجب التخلص منه بسرعة.

«الجيش الحر» ومعه «النصرة» نجحا فوراً في إحداث اختراق عسكري عميق. يكفي أنهما سيطرا على النقطة 45، وقصفت القرداحة، وعملت للوصول الى «البسيط». جغرافياً كسَب تبعد عن اللاذقية 60 كلم وعن القرداحة 80 كلم. إذا استطاع «الجيش الحر» الوصول الى «البسيط» تسقط اللاذقية عسكرياً. حصول المعارضة المسلحة على منفذ بحري يعني أن تحوّلاً استراتيجياً في الحرب قد حصل.

النظام الأسدي، وجّه خيرة قواته من المشاة ومن سلاح المدرعات المدعومة بالقصف الجوي والمدفعي الكثيف الى المنطقة لاستعادتها. من الصعب جداً استعادة المنطقة كلّيًّا حتى ولو أخذ التلة 45، لأنها جبلية ومليئة بالكهوف والغابات. سياسة الأرض المحروقة تنفّذ بأعلى درجاتها الأسدية من كسَب الى اللاذقية.

من الآن وصاعداً، لا يستطيع النظام الأسدي ترك المنطقة خصوصاً من القرداحة الى باقي القرى العلوية، بدون قوات عسكرية قوية. معركة كسَب أجبرته على سحب قوات مهمة من باقي الجبهات، والاعتماد أكثر فأكثر على «حزب الله» وباقي الميليشيات الشيعية العراقية وغيرها إضافة الى تزايد في الحضور الايراني كما اعترف قائد من الأركان الايرانية. هذا التحول يشكل تغييراً مهماً لتأكيد سحب القرار العسكري من الاسد وتجييره للجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» الايراني. الارتباك العسكري الأسدي ليس موقتاً لينتهي مع يوميات معركة كسَب. استرداد كسب قد يقع في أيام وربما في اسابيع، لأن الأسد لا يستطيع ترك «مفتاح الجبل» بيد «الجيش الحر» وغيره، لكنه حتى ولو استردها فماذا عن الغد؟ ماذا يمنع من وقوع هجوم آخر في وقت لاحق بعد تراكم الخبرات عسكرياً؟ وماذا لو كان الهجوم على كسب تغطية للهجوم على درعا بعد أن تأخر لأسباب كثيرة منها إقليمية؟.

نقطة واحدة أنتجها الهجوم على كسَب وسجلها الاسد في خانته. الهجوم أنتج استنهاضاً للشعور الطائفي العلوي بقوة كبيرة. أكثر من 15 ألف شاب علوي تركوا منازلهم وانضموا الى «الباسيج» الأسدي للدفاع عن قراهم ومنازلهم، لا شيء يضمن عدم وقوع انتقامات طائفية. والنظام الأسدي استثمر بنجاح هذا الخوف. معركة كسَب وان كانت مهمة جدا، إلا أنها في جانب آخر وبسبب النصرة وداعش، «جيّشت» المشاعر العلوية بقوة، وحوّلتها الى خزان الحشد الميليشياوي الأسدي.

أمام ما يحدث، فإن كل تهويلات الانتصار في سوريا تبقى وهمية. في معارك الشياح عين الرمانة، لم ينتصر أحد رغم تقدم هنا وتراجع هناك. سوريا، شياح عين رمانة واسعة وشاملة. الانتصار في معركة لا يعني ربح الحرب والبناء عليها سوريًّا ولبنانيًّا… حتى ينعقد «الطائف» السوري.

السابق
اليوم العالمي للتوعية بمرض التوحد
التالي
الخطة الأمنية تبدأ غداً الأربعاء في باب التبانة بطرابلس