مقاطعة حزب الله للحوار: اعتبارات شخصية وداخلية وخارجية

لا يختلف اثنان على ان الحوار هو انجع الوسائل في الانظمة الديموقراطية لحل النزاعات والخلافات بين الدول عموما والقوى السياسية في الدولة نفسها خصوصا. غير ان المنطق الحواري في لبنان بما يحيط به من تعقيدات وحسابات تارة شخصية واخرى حزبية واقليمية ودولية يتسم بأبعاد خاصة. فمن حضر حوار اليوم شكل حدثا ومن غاب شكل حدثا ايضا وربما اكثر من حدث: غياب حزب الله عن الصورة طرح تساؤلات عديدة عن الجدوى، ما دام المعني بملف البحث الاساسي غير موجود، والمغزى من نقاش يبحث في استراتيجية وطنية للدفاع في ما الفريق الذي يملك السلاح واستراتيجيته الدفاعية الخاصة أقصى نفسه عن الجلسة لاعتبارات خاصة ايضا يسعى عبرها “لرد الكيل كيلين” وتلقين من يعنيهم الامر ولئن كانوا في اعلى المراكز في الدولة درساً “مذهبا”ً في المعادلات الخشبية بأمر عمليات من خارج الحدود.

واللافت بحسب المراقبين ان حزب الله كان حتى 28 شباط الماضي من اشد المؤيدين للحوار ومنتقدا من يتغيب عنه، حتى ان امينه العام السيد حسن نصرالله قال في كلمة القاها في 19 تموز الفائت ما حرفيته: ان نظرية العزل في لبنان لا تنفع، لماذا نحن نجمد عند نقاط الاختلاف وننسف كل نطاق الاتفاق، في النهاية أمن البلد واقتصاده سيتأثر، نحن لا نخشى ان نقصى وليس هناك خيار امام اي شعب ليبني دولته، الا ان تتحاور الناس مع بعضها، ونحن في حزب الله على رغم ما بيننا وبين القوى السياسية نقول يدنا ممدودة ومستعدون لكل حوار ونقاش وتلاق ونحن لسنا مع اقصاء احد وجاهزون دائما للحوار والبحث عن المخارج.

غير ان الحزب يبدو بحسب ما تقول مصادر سياسية مطلعة في قوى 14 اذار قلب اولوياته ونظرته من الحوار في ضوء جملة عوامل منها الشخصي والحزبي ومنها الخارجي. فكلمة الرئيس ميشال سليمان في خطابه الشهير في جامعة الروح القدس في الكسليك في شباط الماضي خلفت حالة انزعاج شخصي لدى الحزب من وصف الرئيس سليمان معادلة الجيش والشعب والمقاومة بالخشبية، فتشنجت العلاقات ولم يدخل وسطاء على خط المعالجة لرأب الصدع في العلاقة بين الجانبين.

وفي الشق المحلي ايضا تعتبر الاوساط ان حزب الله الذي انتفض على اعلان بعبدا ونقضه نسبة لما تضمنه من التزامات لا تتماشى وممارسات الحزب منذ لحظة انخراطه في الصراع الدموي السوري ليس في وارد العودة الى الطاولة التي شهدت موافقته الشخصية على الاعلان وتوقيعه بالصوت والصورة، اضف الى ان عودته، ان حصلت ستضفي مزيدا من الشرعية على هيئة الحوار التي لم يتوان قادة ومسؤولو الحزب عن اعتبارها مجرد لقاء تشاوري، علما ان الهيئة تستمد شرعيتها من مؤسسة رئاسة الجمهورية مباشرة ومن التفاف القوى السياسية كافة حولها.

اما العوامل الخارجية الدافعة لمقاطعة الحوار، فترى المصادر، انها من شقين، الاول سوري يتمثل بايعاز من القيادة السورية بمقاطعة سيد بعبدا العائد الى منزله بعد اقل من شهرين وعدم تعويمه بحوار منتج ما دام صوب سهامه، وفق المنطق السوري، نحو المقاومة، بدليل ان معظم حلفاء سوريا في لبنان قاطعوا الحوار ومن بينهم تيار المردة والحزب السوري القوي والحزب الديموقراطي اللبناني.

وتضيف المصادر ان الشق الثاني والاهم هو ايراني بامتياز لكون بعض المسؤولين الايرانيين الذين زاروا لبنان اخيرا سمعوا كلاما من بعض المسؤولين اللبنانيين لم يحظ برضاهم، فجاء الجواب بمقاطعة الحزب لهدف مزدوج الاول ابلاغ المنزعجين من دور المقاومة في سوريا بالرد الايراني، ولئن بعد حين، والثاني توجيه رسالة عبر الرئاسة اللبنانية الى المملكة العربية السعودية التي قدمت في الامس هبة قيّمة للجيش اللبناني عبر شخص الرئيس سليمان بمدى فاعلية الدور الذي يلعبه حلفاء ايران في لبنان وقدرتهم على تعطيل المؤسسات اذا لم تليّن المملكة مواقفها وتحدد موعدا لموفد ايراني لزيارتها.

وتبعا لذلك، تؤكد المصادر المشار اليها ان حزب الله ضرب ضربته اعتقادا منه ان مقاطعة حوار بعبدا تقطع طريق استراتيجية سليمان الدفاعية وتحرر الحزب من اي التزام بها او التسليم بما قد يصدر عن هيئة الحوار من قرارات.

السابق
صالح: حزب الله لم يشارك بجلسة الحوار لعدم توتير الأجواء
التالي
فتفت: بري لن يدعو لجلسة انتخاب قبل 15 ايار