ماذا يعني لحزب الله بيان وزاري يتضمّن الإقرار بالمقاومة؟

استغرب أحد زوار الرئيس اميل لحود في الآونة الاخيرة حجم عتبه على “حزب الله” لقبوله مشاركة فريق 14 آذار في حكومة واحدة وبشروط “مجحفة” بحقه.

بالطبع لم يكن الرئيس لحود وحده من حلفاء الحزب الذين أثار استياءهم وحفيظتهم دخوله في لعبة شراكة سياسية مجدداً مع حلف سياسي ناصب الحزب العداء طويلاً وسعى طوال اكثر من عشرة اشهر لعزله سياسياً تحت لافتة انخراطه في الميدان السوري، اذ ان غالبية الذين يدورون في فلك الحزب سياسياً وقسماً واسعاً من قاعدته رفعوا عقيرتهم بالرفض المطلق لهذه الشراكة واعربوا عن خيبتهم من امرين اثنين: الأول تسلم صقور تيار “المستقبل” حقائب وزارية حساسة، والثاني قبض فريق 14 آذار على حصة وزارية وازنة ومؤثرة.
ولا شك في ان وتيرة هذا الشعور بالخيبة ارتفعت في اعقاب الكلام الذي اطلقه رئيس الجمهورية ميشال سليمان عن “المعادلة الخشبية”، وهو كلام غير مسبوق من رئيس للبلاد بحق المقاومة وجمهورها وتاريخها النضالي.
وعليه لم يعد خافياً ان “حزب الله” بذل جهوداً كبرى كي يقنع حلفاءه وقاعدته على حد سواء بأن خيار الشراكة الذي سار عليه لم يكن انكساراً سياسياً له وفوزاً سياسياً لـ”معسكر الخصم” يستعيد به شعور التوازن الذي فقده اثر سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري وقيام حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. في العلن ابلغ الحزب مراجعيه ان هذه الحكومة انما هي حكومة موقتة انتقالية اشبه ما تكون بحكومة ادارة مرحلة لانتخاب رئيس جديد، وان مهلة المئة يوم، وهي العمر الافتراضي لهذه الحكومة، لن تقلب مسار الأمور رأساً على عقب، لكن في الاجتماعات والدوائر المغلقة والضيقة كان للحزب خطاب آخر وتشخيص مختلف للأسباب التي حدت به الى ركوب هذا المركب الخشن.
تحدث رموز “حزب الله” وكوادره في مجالسهم الخاصة عن شيء اكبر من مسألة الشراكة مع الخصم في حكومة عمرها الافتراضي قصير جداً ولمحوا الى مسائل اعمق واكثر جدوى وفائدة عنوانها العريض تكوّن ملامح تسوية لمرحلة مقبلة له فيها ثلاثة مكاسب جوهرية:
الاول: القبول المحلي والاقليمي والدولي بالشراكة مع “حزب الله” كما هو، اي وهو منخرط في الميدان السوري ويغيّر المعادلات، على أن يحتفظ الخصم بحق الرفض الكلامي الدائم لهذا الفعل وهذا الانخراط. وهذا يعني من جملة ما يعنيه ان ثمة اعترافاً غير مباشر بدوره الاقليمي الذي تعدى الحدود وخرج عن المألوف، والتكيف معه كأمر واقع.
الثاني: الاقرار مجدداً بدوره المقاوم خصوصاً انه على ثقة تامة من ان لا بيان وزارياً من دون ان يتضمن نصاً واضحاً يؤكد أحقية مقاومته.
وهذا الامر ان تم فانه في رأي الحزب سيبدد جهوداً بذلها قبل نحو ثلاثة اعوام خصومه الذين رفعوا صراحة شعار “ما عاد ماشي الحال، لا لن نقبل بعد اليوم بشيء اسمه مقاومة”. وليس خافياً ان من وضع هذا الشعار الصريح والجلي ما ترك وسيلة الا استخدمها للنيل من المقاومة وجعلها “سقط متاع” انتهى اوانه وانقطع زمانه. والذروة كانت في اطلاق تعبير “المعادلة الخشبية” على معادلة عنت للحزب وجمهوره وحلفائه الشيء الكثير.
الثالث: ان كل الخصوم في الداخل والخارج قبلوا به شريكاً اساسياً ووازناً في المعادلة السياسية الداخلية ومدخلها الأساسي هو انتخاب رئيس جديد للبلاد.
ثمة لدى الذين هم على تواصل مع الحزب قراءة فحواها ان القوى الاقليمية والدولية، وخصوصاً واشنطن التي رعت الولادة القيصرية لحكومة الرئيس تمام سلام، لن تقف مكتوفة حيال مساعي البعض لعدم إقرار بيانها الوزاري مما يجعلها حكومة تصريف اعمال.
فهذه القوى قاربت موضوع تأليف الحكومة ليس بصفتها سياقاً منفصلاً أو أمراً مطلوباً بحد ذاته، بل تعاملت معه على اساس انه مدخل اجباري لإجراء الاستحقاق الرئاسي المقبل في موعده على نحو يحول دون الفراغ الرئاسي.
وعليه يبدو جلياً ان حكومة تصريف الاعمال تصير “وصفة” محتملة لتبرر الاطاحة بانتخاب رئيس جديد للبلاد، وتفتح الابواب أمام احتمالات تدخل كلها في دائرة المحظور، كون الفراغ الرئاسي من شأنه ان يعيد قولبة الاوضاع في البلاد على أسس ومعايير جديدة، قد تصل الى حدود المس باتفاق الطائف وما ينطوي عليه من معادلات وما يدرج تحت خانة الثوابت والمسلمات.
وبناء على كل هذه الاعتبارات والهواجس، التي وردت أخيراً في حسابات الكثير من الدوائر المحلية والخارجية، فإن “حزب الله” وحلفاءه يقيمون على شبه يقين من أمر الحكومة ونيلها الثقة على اساس بيان وزاري هو مطمح وهدف تسعى اليه القوى الاخرى أكثر من سعيها هي اليه، وهذا من جملة الاسباب التي كبحت اندفاعة البعض وجهودهم الواضحة لتعطيل اصدار البيان الوزاري ضمن المهلة المحددة له.
ولأن الامر كذلك والحسابات الكبرى قائمة على هذه الاسس، فإن ثمة ما يشبه الاطمئنان واليقين لدى الحزب من ان البيان الوزاري الموعود سيتضمن ما يريده وخصوصاً لجهة ادراج بند المقاومة.
ماذا يعني هذا الواقع بالنسبة الى الحزب على المستوى البعيد؟
لذلك شرح يطول، لكن الواضح لديه ان امرار بيان وزاري ينطوي على عبارة المقاومة ولو وفق “الصيغة المرنة” التي تحدث عنها رئيس الجمهورية ميشال سليمان في يومه الاخير من زيارته الى فرنسا، هو بشكل أو بآخر إقرار بانطواء صفحة المحاولات التي بذلت قبل نحو ثلاثة اعوام لتكريس واقع سياسي في المشهد السياسي اللبناني وفق مواصفات ومحددات معينة تنتفي معها المقاومة.
أما إذا سارت رياح الامور بخلاف هذه القراءة فليس لدى الحزب شك في أن ثمة مرحلة أخرى من الصراع والاحتدام، وهذا أضعف الايمان.

السابق
مصير الجمهور والجمهورية
التالي
التراجع الذي يضرب مصر