السعوديون وأوباما: حديث عن مستقبل غامض !

يصل أوباما إلى الرياض، منتصف شهر مارس الجاري، في واحدة من أصعب اللحظات في تاريخ العلاقة بين البلدين. صحيح أن علاقات الرياض – واشنطن غلفها التوتر الخفي منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إلا أن الحليفين حافظا على مستوى معقول من العلاقات الجيدة ظاهرياً، دون تصعيد.

بيد أن هذه المداراة للخلاف لم تصمد طويلاً؛ فقد قررت الرياض أن تخرج من إسار نغمتها القديمة بأنها ستجدد تحالفاتها الخارجية، إلى أن بدأت بالفعل خطوات جدية في هذا الاتجاه. فخلال السنوات الثلاث الفائتة كثرت الرسائل الخفية بين السعوديين ودول العالم الجديد، هناك في آسيا. والهدف هو إيجاد الخطة (ب) في حال قررت أميركا تقليص تواجدها في الشرق الأوسط.

علينا أن نقول: إن السعودية فقدت أمانها التاريخي، الذي كانت تشعر به مع واشنطن منذ أكثر من ستة عقود مضت. كانت اللحظة الفارقة هي تلكؤ واشنطن في تأكيد التزامها بأمن الخليج خلال أحداث البحرين، التي عرّضت العرش الملكي هناك للخطر، ثم جاء الرفض الأميركي لتأمين حقول النفط شرق السعودية، في حال تعرضت سورية لضربة جوية، لتقوية الشكوك حول مصداقية الحليف الأميركي. شعرت الرياض أن ظهرها إلى الحائط، ولا خيار آخر، سوى البحث عن حلفاء جدد، وتنويع مصادر التسلح.

بناء على ذلك قررت الرياض أن تخرج من محفظتها ورقة تذكير قديمة كتبها الملك فيصل: «البرنامج النووي الباكستاني». رأت السعودية في باكستان شقيقا روحيا يمكن بناؤه للمستقبل، واستطاع الملك فيصل بشغفه الإسلامي أن يبني أسسا عميقة لهذه العلاقة. كلفت هذه العلاقة الرياض عشرات المليارات لدعم الصناعات العسكرية الباكستانية، وأهمها البرنامج النووي. نعم لا يمكن مقارنة التكنولوجيا الباكستانية – الصينية، بالتفوق الأميركي، لكن على الأقل لدى الرياض ورقة تأمين نووية، في حال حاولت إيران أن تقوم بلعبة خاطئة على لوح الشطرنج.

لقد تسببت واشنطن في غربلة كبرى للعالم العربي، وبدا «الربيع العربي» الذي تفاءل به الشبان العرب، وكأنه محاولة تقسيم استعمارية جديدة. بدت المنطقة وكأنها تسبح في فضاء لا نهائي من الفوضى. تغيرت خارطة المنطقة، وتغيرت مواقع النفوذ، وشعر الحلفاء بالخطر، ما جعل الكل يتطلع إلى واشنطن، باعتبارها مسؤولة، ولو جزئياً عما يحدث إن لم تكن مسؤوليتها عن بداية هذا التغيير الجديد، فقد كانت عليها مسؤولية حصره، والحفاظ على مواقع نفوذ حلفائها. لكن هذا لم يحدث، بل عوضا عنه استماتت واشنطن في محاولة إبقاء الإخوان المسلمين في الحكم، ضاربة عرض الحائط بخيارات المصريين حول من يرغبون في أن يرونها زعيماً لهم.

يعرف أوباما كافة الملفات التي تزعج السعوديين. لكنه سيسمعها مرة أخرى، وبشكل مباشر. سيقولون له: أرجوك فخامة الرئيس، مصر لا يمكن أن نقبل بخسارتها، فأنت دعمت حزباً تصادم مع كل العصور، وناكف كل الزعماء الذين حكموا مصر، من الملكية وحتى حكم العسكر، حتى اغتيال السادات. هذا حزب نعتبره جماعة إرهابية، تماما مثل القاعدة. لن نتهاون في ذلك، وسوف نحارب هذا الحلف مستعينين بحلفائنا الخليجيين، يدا واحدة، حتى نستأصلهم. ثم اننا لن ننسى اتفاقكم النووي مع إيران خلف ظهورنا، وما تفعلونه من خلال تأييدكم لعدونا المالكي في العراق، وتخليكم عن إسقاط بشار. ناهيك عن التجسس على قصورنا، وهواتفنا. نعم نحن لسنا ألمانيا، أو الصين، لكننا الدولة الإسلامية القادرة على الحشد. هل تعلم فخامة الرئيس أن منبر الجمعة في الحرم المكي أقوى من ألف قنبلة نووية بالنسبة لأكثر من مليار مسلم؟

على المقلب الآخر، يريد أوباما ان يقول للسعوديين: عليكم أن تكونوا أكثر ثقة في أنفسكم. أرجوا أن تتوقفوا عن التعامل معنا وكأننا مجرد حبة فياجرا، تتناولونها في السر لتبقيكم أقوياء في العلن. تحالفنا تاريخي ومهم، لذلك لا تعتقدوا أنه عار، أو يسبب الحرج. المهم أن نعمل معاً. لسنا مجرد تجار أسلحة. العلاقة ليست أسلحة فقط، إنها التزام مشترك، وخطوط واضحة المعالم، بما يفعله كل حليف إزاء مصالح الآخر.

لا يتوقع من زيارة واحدة أن تنهي كل هذه الخلافات، لكنها قد تكون الدليل الأبرز على أن الطرفين يشعران بأن علاقتهما على المحك. هذه علاقة مليئة بالتناقضات منذ بدايتها، فالبلدان لا يتشاركان القيم ذاتها. كان الملك فهد يقول: إن «الأمريكان هم الأخطر علينا لأن قيمنا تختلف عنهم »، وهذا يعني أن الاحتكاك آت لا محالة. الحل هو رسم حدود معينة تجعل من الاحتكاك أمراً جانبياً، أو على الأقل يبتعد عن المصالح الاستراتيجية ذات المدى البعيد.

أوباما لم يعد صاحب شعبية كبيرة في العالم العربي، كما كان سابقا. ألم يكن هو الزعيم الذي تمنى ملك السعودية أن يبقى لفترة رئاسية ثانية؟ نعم، لكن هذه مجرد مشاهد من الماضي، أما الآن يرى الخليجيون أن أوباما أكثر خطراً عليهم من البرنامج النووي الإيراني!

السابق
مدير شركة صيداكو للغاز: الاتجاه لمعاودة العمل خلال يومين
التالي
سنغافورة المدينة الاغلى في العالم