عدنان فياض آخر منجِّدي صُور

يحفظ عدنان فياض جميل المهنة التي لم تبخل عليه يوماً، وكفلت بالرغم من نهارات وليال التعب، تربية عائلة من ستة أفراد وتمكينها اجتماعيا واقتصادياً.

عدنان آخر المنجّدين في مدينة صور، تعرّف إلى القطن والصوف والقماش والخيط والقوس والمطرقة والكشتبان وقضيب البولاد، عندما كان في السابعة من عمره، حين أرسله والده إلى ورشة آل الحريري في صور، لتعلّم مهنة تنجيد الفرش واللحف والوسائد، التي كانت في أوجها، حيث كان ينتظر أبناء المدن والقرى دورهم للحصول على موعد من المنجّد، لاسيما العائلات التي كانت تستعد لتجهيز العريس والعروس.

وحتى لا تنقرض هذه المهنة، التي تجاوزها التطور، وأصبحت من المهن الغابرة، يصمد عدنان فياض (61 عاماً) في محله وسط السوق التجارية القديمة، متباهياً باستمراره في مزاولة عمله بالرغم من غياب المردود المادي المطلوب… بحده الأدنى.

وبالنسبة إلى عدنان، الذي لم يرث المهنة من والده، ولم يورثها لأحد من أبنائه، فإنّ افتتاح مشغله الصغير يومياً، المليء بالقطن وبعض اللحف والقماش وآلات باتت في عداد القطع التراثية، هو الشغف في حب هذه المهنة التي يعتبرها «فردا من أفراد العائلة».

بحسب عدنان فإنه كان وما زال من المنجّدين المحترفين، فكان إنجاز اللحاف يحتاج إلى ساعة ونصف الساعة، أما الفرشة المكونة من قطن أو صوف مصري أو سوري، فينجزها بأقل من ساعة مع لوازمها، وهذا دليل على عمله بسرعة قياسية وكذلك على خفة يديه وصبره.

تنقسم حياة عدنان فياض المهنية إلى مرحلتين، الأولى كانت تعلم المهنة واحترافها في ورشة آل الحريري بين سن السابعة والتاسعة عشرة، والثانية عند افتتاحه ورشة خاصة به في السوق القديمة أوائل السبعينيات، والتي يدمغ على جدرانها وسقفها إلى الآن آثار فوانيس الكاز، إذ كانت تضاء أثناء العمل في ساعات الليل.

تحمل المرحلة الأولى من مزاولة المهنة حكايا عديدة وبريئة، إذ كان المنجدون حينها بمثابة المهاجرين من منازلهم إلى البلدات والقرى المجاورة لمدينة صور وصولاً إلى بلدات وقرى بنت جبيل، وكان المنجّد ومعاونوه يبيتون ما بين عشرة إلى خمسة عشر يوماً في كل قرية، تتوزع على أصحاب المنازل، الذين كانوا يتسابقون لحجز دورهم مع المنجّد من أجل إنجاز الأثاث المنزلي من لحف وفرش ووسائد.

يحنّ عدنان فياض إلى تلك المرحلة. يقول: «كنّا ضيوفاً مكرّمين، فإلى جانب تأمين المنامة كان صاحب المنزل يعتبرنا فرداً من العائلة، فنأكل ونشرب ونسهر ونأنس بالحكايات الطويلة».
ولا يفوت عدنان فعلة اقترفها في أحد المنازل، عندما ترك في أحد اللحف بعد ختمه إبرة، كردة فعل على صاحب المنزل، الذي لم يقدم له ولزملائه شربة ماء، لكنّه عاد بعد وقت قصير وانتزعها، بعدما أوهم صاحب المنزل بأنّ هناك قطبة لم ينجزها في اللحاف.

أمّا المرحلة الثانية، فقد شكّلت تطوراً مهنياً واقتصادياً واجتماعياً لعدنان فياض، فكان يعمل حتى ساعات الفجر في أحيان كثيرة، على ضوء سراج الكاز ولاحقاً على سراج أكثر تطوراً، «اللوكس»، نظراً إلى كثرة الطلبيات والمواعيد، إذ كان تلامذة المدارس من أبناء أصحاب المحال المجاورة في السوق القديمة، ينتهزون الفرصة للقراءة داخل محله على ضوء السراج من جهة، ويساعدونه في تخليص القطن والصوف من جهة ثانية.

السابق
عون: أنا من يعلن عن أي تحرك أقوم به وخلاف ذلك لست معنيا به
التالي
ثماني نصائح لحياة أسهل