للتمديد أم إلى ما بعد الرئاسة؟

كان من المفترض أن يتوجَّه الوفد اللبناني برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان إلى مؤتمر باريس وقد نالت الحكومة الثقة، لكنَّ ما حصل أنّ الجبهات السياسية اشتعلت فجأةً لتتجمَّد موَقّتاً مساعي الحلول الهادفة لإنجاز البيان الوزاري عند العقدة الأخيرة فيه.

بصرف النظر عن صوابية ما يُطرح من عدمه، إلّا أنّ لتوقيت الدخول الاعتراضي لرئيس الجمهورية على خط البيان الوزاري مرَّتين أهدافاً أبعد من النقاط المطروحة.

ولم تكن المسألة تحتاج لتحليل معمَّق للاستنتاج بأنّ هذا الطرح وفق هذا التوقيت سيُعيد تأجيج الخلاف العاصف الذي يشطر البلاد منذ العام 2005، على رغم تأليف حكومات عدّة، ولا سيّما في عهد سليمان بالذات، وهذا سيعني إمكان تطيير الحكومة بسبب استنفاد مهلة الشهر من دون الاتّفاق على بيان وزاري أو هكذا يعتقد البعض.

في الظاهر تكمن مصلحة سليمان في الذهاب إلى باريس وبرفقته حكومة موجودة وفاعلة، ولا سيّما أنّ المؤتمر مُخصَّص لملفّات حسّاسة، ويُنتظر منه مساعدات باتَ لبنان بأمَسّ الحاجة إليها. إلّا أنّ الحسابات الفعلية قد تكون أبعد من ذلك.

على عكس اعتقاد البعض، سيولد البيان الوزاري في نهاية المطاف بقوّة “التفاهم” الاقليمي السعودي – الايراني، على رغم التطوّرات الأوكرانية، تماماً كما حصل مع ولادة الحكومة بعد تذليل العقبات الهائلة أمامها. لكنّ ذلك لا يمنع سليمان من توجيه رسائل الاعتراض اعتباراً من منطلقات ثلاثة:

الأوّل: حسابات التمديد التي لا تزال تراود الفريق المعاون لسليمان. صحيح أنّ هذا الخيار تراجعَ كثيراً، ولا سيّما بعدما تبيَّن أنّ إشارات التشجيع من جيفري فيلتمان عقب لقائه سليمان في نيويورك لم تتبنَّها الإدارة الاميركية، إلّا أنّ الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أبقى على الأمل باعتباره أنّ الوصول الى الفراغ سيُعيد وضع خيار التمديد الى الواجهة، شرط أن يحظى بموافقة كلّ الاطراف السياسية في لبنان، وهو باشرَ أخيراً اتصالات مع موسكو في هذا الخصوص.

لذلك مثلاً، ومع بروز عقدة الداخلية قبيل ولادة الحكومة، أرسلَ سليمان الى حزب الله بأنّه لن يوافق على أيّ تشكيلة لا تحظى مسبقاً بموافقة الحزب. في الوقت نفسه، زار موفد رسمي من رئيس الجمهورية رئيس تيّار “المردة” النائب سليمان فرنجية في بنشعي وطرح عليه تصوّراً مفادُه أنّ الظروف الراهنة لا تعطي حظوظاً كافية لفرنجية في معركة الرئاسة وأنّ تأجيل الاستحقاق لسنة أو سنتين قد يؤسِّس لصورة أوضح في سوريا، وبالتالي يُعزّز حظوظ فرنجية الرئاسية، لكنّ فرنجية لم يُعلّق، ما اعتبرَه فريق سليمان إشارة إيجابية. إلّا أنّ فرنجية لم يتأخّر في إعلان موقف حادّ عبر مقابلة تلفزيونية اعتبر فيها أنّه بين الفراغ والرئيس الضعيف يُفضّل الفراغ، وميشال سليمان هو رئيس ضعيف.

وفهمَ هذا الفريق من موقف فرنجية المتأخّر بأنّه جاء بعد التشاور مع الحلفاء، ما يعني أنّ قرار عدم التمديد قد اتُّخذ. وبالتالي فإنّ اعتبار البعض أنّ الحكومة الجامعة قادرة على ملء الفراغ، قد يكون الجواب عليه لوضع العصيّ في دواليبها.

أضِف إلى ذلك أنّ ما رشَح عن لقاء الرئيس سعد الحريري بالبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، أشار إلى تفاهم ملزم على عقد جلسة انتخاب في المهلة الدستورية. وبعدما أعلن الحريري قبل اللقاء أنّه ضدّ الفراغ في موقع الرئاسة الأولى عدَّل موقفه بعد اللقاء ليؤكّد تمسّكه بحصول الانتخابات الرئاسية، وبين الموقفين بونٌ شاسع، أضف الى ذلك أنّ مكوّنات المجتمع المدني تتحضَّر لتحرّكات كبيرة رفضاً للتمديد.

المنطلق الثاني: حشر حزب الله لدفعه إلى فتح باب البازار حول التمديد. وفيما لم ينجح الأسلوب المرِن خلال مرحلة تأليف الحكومة ولا الخطوط الخلفية المفتوحة والتي تناول فيها الموفدون أكثر من مرّة خيار التمديد بوضوح، لم يعُد يتبقّى سوى خيار الضغط عليه بفتح كوّة في الجدار المقبل، مع الإشارة إلى أنّ الجميع قرأ في حصّة حزب الله الحكومية قراراً بأنّ هذه الحكومة محكومة بعمر قصير جدّاً وإلّا لكان تمسَّك بحصّة وزارية مختلفة.

المنطلق الثالث: في حال عدم النجاح في التمديد، فإنّ رفع السقف السياسي سيكون مفيداً بلا أدنى شكّ في مرحلة ما بعد الرئاسة، حيث يتطلَّع سليمان لموقع سياسيّ في منطقة جبيل – كسروان وترؤّس كتلة نيابية، وإلّا فلماذا لم يتّخذ هذه المواقف إلّا في نهاية عهده؟

وما يُشجّعه في هذا الإطار الخلاف الحادّ الذي يسود العلاقة ما بين تيار “المستقبل” و”القوات اللبنانية”، ما يفسح له مكاناً واسعاً في فريق “14 آذار”، على أساس أنّه الرئيس الذي واجه حزب الله، وقد يكون سليمان قد سمعَ تشجيعاً خافتاً في هذا الاتّجاه من “المستقبل”.

السابق
الازمة الاوكرانية: خلفية و احتمالات؟
التالي
لافروف يلتقي بان والابراهيمي في جنيف اليوم