+18

جثث القتلى في كمين العتيبة في الغوطة
لا يتوقف خطر الحرب الدائرة في سوريا على أعداد الضحايا وحجم الدمار بل يتعدّى ذلك إلى ما هو أخطر، وهو تفلّتها من أيّ قواعد أخلاقية يجب أن تُراعى حتّى في الحروب، كما جاء في التعاليم الإسلامية وفي مواثيق الأمم المتحدة. فنقل هذه الاحداث إلى الرأي العام بكلّ وحشيتها عبر وسائل الاعلام، دون أيّ ضوابط، قد يساهم في تشويه الحسّ الإنساني عند العامة، ما ينتج حالة من الوحشية قد تصيب المجتمع وتشكّل خطرا يصعب السيطرة عليه لأجيال آتية.

كأنّه لم يكفِ الحرب الدائرة في سوريا حجم الدمار الهائل، ولا أعداد القتلى المهول والجثث المنتشلة من تحت الركام، ولا صفوف جثث الأطفال المقتولين بالسلاح الكيماوي المصفوفة على الأرض والنائمة بلا روح، ولا حتّى قطع الرؤوس المذبوحة على الطريقة “الإسلامية” وأكل القلوب، ولا ما تحصده طائرات الميغ ببراميلها، أو صواريخ السكود، ولا مشاهد الجوع للناس المحاصرين في المدن او داخل الزنازين، ولا صور معاناة اللاجئين ومآسييهم وامراضهم…

كأنّه كان ينقص هذه اللوحة الحمراء الطالعة من الجحيم والمرسومة بعناية بريشة شيطان أتقن جمع المواهب الوحشية على طول التاريخ، أن يضاف إليها مشهد تلك الجرافة اللعينة وهي تزيل كومة البشر المقتولة والمشلّعة في وسط الطريق، الذي عرضته قناة “المنار” قبل أيام.

قد أفهم، وقد ليس أكثر، هذا الحجم من الوحشية والافعال الاجرامية من نظام البعث. فهذا السلوك اللاإنساني ليس بجديد على مسيرته “النضالية”، ولا على أسلوب ممانعته التي ذاق طعمها حتّى حليف السلاح ورفيق البندقية اليومفي  مجزرة فتح الله البيروتية الشهيرة، حين صفّ شبّانا مقاومين على حائط في بيروت وقتلهم تحت أنظار جمهور “حزب الله” والمقاومة، كدرس لم ينسَه كثيرون حتّى اليوم.

ولعلّ في هذا المجال لم يقدّم مقاتلو المعارضة نموذجا عمليا مختلفا كثيرا. فها هم يمارسون ثورتهم بالقراءة من الكتاب نفسه، لأنّهم خرّيجو المدرسة البعثية السوداء نفسها.

لكن ما لن أفهمه هو مجاراة حزب الله، في قتاله هناك الى جانب النظام الأسدي، قواعد الحرب على الطريقة السورية المتفلّتة من الحدّ الأدنى للضوابط التي فرضتها الأديان، فضلا عن المواثيق الدولية.

المرعب في الموضوع هو انتقال كلّ هذا الجوّ الموبوء هناك إلى جمهور الحزب في لبنان، بواسطة وسائل إعلام حزب الله التي تنقل مجريات الاحداث بلا أيّ تحفظ. ما يعني أنّ خطر انتقال الجرثومة الخبيثة إلى الناس العاديين صار تحصيل حاصل. فلم يلقَ تنقَل مذيعة الميادين بين جثث قتلى كمين العتيبة أيّ ردود فعل.

كما أنّ إصرار تلفزيون “المنار” على بثّ مشاهد “حصرية ” لعمل عسكري “بطولي” راح ضحيته عشرات القتلى (حتى لو سلّمنا جدلا أنّهم من المقاتلين)، يهدف فقط إلى رفع معنويات هذا الجمهور المحبط بعد سماعه خبر الغارات الإسرائيلية وبيان الاعتراف المتأخّر والمذيّل بعبارة “الردّ في الزمان والمكان المناسبين”!

هذا إنّما يعكس بشكل واضح وفاضح ليس فقط إصرار الحزب على الاستمرار في تلك الحرب المجنونة، بل أيضا سعيه إلى نقل أجوائها السوداء من أرض المعركة إلى داخل بيوتنا. والمؤسف أنّ قسما كبيرا من هذا الجمهور بدأ يعتاد هذه الصور المفروض أن تكون مقزّزة وصار يتلذّذ بها ويصفها بعضهم على صفحاته الفايسبوكية بأنّها “عودة إلى الذكريات الجميلة للبطولات أيام الاحتلال”.

لا أدري في غمرة هذا الجو الخبيث إذا كان ينفع أن نذكّر إعلام الممانعة التي تدخل بيوتنا وعيون أطفالنا غير المعنيين إطلاقا بـ”حرب الكبار”، بأنّ علامة +18 تستعمل قبل عرض أيّ من المشاهد والتقارير التي قد تخدش الحسّ الإنساني العام، فضلا عن الحسّ الأخلاقي، وأنّ هذه المشاهد الوحشية التي تعرضونها هي أخطر ألف مرّة من المشاهد التي قد تعرض لقطات جنسية تحرصون، مشكورين، على عدم بثّها.

السابق
سماع دوي انفجار في جبل الشيخ
التالي
مأزق نتنياهو