كييف تُغيّر موقف واشنطن من دمشق

بدأت أروقة صنع القرار والمراقبة في واشنطن تسأل بكثير من القلق بعد التفجير المزدوج الذي استهدف الملحقية الثقافية الإيرانية: «ماذا لو قرَّرت التنظيمات الإسلامية التكفيرية التي أعلنت أنّ هجماتها لا تزال تستهدف حتى الساعة المصالح الإيرانية وبيئات «حزب الله» المباشرة، تنفيذ هجمات أوسع وأبعد مدى جغرافياً، لتطاول البيئة الشيعية كلها بما فيها المناطق المحسوبة على رئيس مجلس النواب نبيه برّي وبعض المناطق المسيحية المؤيّدة لـ»حزب الله» عموماً؟

يتخوّف البعض من اتّجاه الوضع في لبنان نحو الأسوأ، على رغم تأليف الحكومة الجديدة، وربّما يكون بسببها. ومن شأن هذه التطورات إعادة طرح ملفات عدّة وتسريعها، خصوصاً أنّ لبنان مقبل على استحقاقات دستورية، في مقدّمها هوية رئيس الجمهورية العتيد، قد تفرض اللجوء الى خيارات، استبعادها كان مُمكناً.

وما تصريحات وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل بأنّ الحرب السورية قد انتقلت فعلاً الى لبنان والأردن وباتت تهدّد الأمن القومي لإسرائيل، إلّا انعكاساً للنقاشات الكثيفة التي تشهدها أروقة الإدارة الأميركية، بعد المواقف والتقارير الأمنية التي تحدثت أخيراً عن تحوّل الأزمة السورية أزمةَ أمن قومي أميركي.

وتتحدّث مصادر أميركية موثوقة عن حال من الإستنفار الشديد، تعكس وجود قرارات مهمة ستترجم الى إجراءات ميدانية على الأرض.

وكانت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية رأت في عددها أمس الأول «أنّ تحريك طائرات «الدرون» فوق سوريا خيار لا بدّ منه في نهاية المطاف، على رغم الإشكالات الأمنية والميدانية التي يثيرها، في بيئة ليست متعاونة كثيراً لتحديد الأهداف التي يمكن قصفها، اذا ما قورنت بتجربة استعمالها في باكستان واليمن».

واعتبرت الصحيفة «أنّ خيار فرض مناطق حظر جوي قد يكون الحل الأمثل إذا ما أُريد لتلك الطائرات العمل بفعالية، للقضاء ليس على مسلّحي تنظيم»القاعدة» فحسب، بل للَجم ارتكابات النظام السوري التي بلَغت ذروتها في هذه المرحلة».

وتقول المصادر الأميركية نفسها «إنّ الكشف عن اجتماع وزير الخارجية جون كيري مع رئيس الإستخبارات الأميركية السابق دايفيد بترايوس في التاسع من الجاري، يُظهر أنّ قراراً استراتيجياً في شأن الوضع السوري في طريقه الى التبلور، وأنّ اجتماعهما «ما كان ليحصل لولا معرفة الرئيس باراك أوباما نفسه، ومباركته».

وفي السياق نفسه، أكد المتحدث باسم البنتاغون الكولونيل ستيفن وارين أنّ «دور قادة القوات المسلحة الأميركية الآن، هو توفير عدد من الخيارات للرئيس الأميركي الذي تعود اليه وحده سلطة إتخاذ القرار المناسب».

وفي حين تقلّل المصادر الأميركية من حجم ما يحصل على جبهة «الجيش السوري الحر» بعد رفض اللواء سليم ادريس قرار إقالته، والرد الحاسم المشترك الذي صدر عن قيادة الأركان و»الإئتلاف الوطني المعارض» وفي حضور رئيسه أحمد الجربا، فهي تقول «إنّ نشوة الإنتصار التي يعيشها الرئيس السوري بشار الأسد، وإطلاق تظاهرات لمؤيّديه دعماً لترشيحه للرئاسة، قد لا تدوم طويلاً مع قرب حدوث التغييرات في الميدان، بعدما ثبت للأميركيين أنّ التبدّل في الأداء غير ممكن من دون التلويح الجدي باستعمال القوة، مهما بلغت درجتها».

وإذ تتوقف المصادر نفسها عند التطورات السياسية الأخيرة التي تشهدها أوكرانيا، تقول «إنّ ما يجري في كييف قد يشكّل الهدية المجانية التي قدّمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى أوباما ليوجه اليه ضربة مزدوجة في أوكرانيا وسوريا معاً».

وتشير تصريحات أوباما الأخيرة في المكسيك الى أنّ واشنطن بدأت تلعب مع موسكو بخشونة، مدعومة بمواقف أوروبية مرتفعة الحدّة، قد تفرض على سيّد الكرملين العودة الى حجمه الطبيعي، مثلما قد تدفع حلفاءه الى إعادة قراءة المشهد السياسي على حقيقته.

ولعلّ الموقف الأخير لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في شأن إمكان صدور قرار عن مجلس الأمن الدولي خلال الأيام المقبلة يتعلق بإدخال المساعدات الانسانية الى سوريا، والأجواء الإيجابية المسرّبة عن لقاءات جنيف التي تبحث في ملف ايران النووي، والتطور المفاجئ في اللغة الإيرانية، يعكس بداية تلك التحوّلات.

السابق
أريد وطنا
التالي
قطع طريق بولفار طرابلس احتجاجا على توقيف احد الأشخاص