الفايسبوك ينسينا أنّ الحياة في مكان آخر!

الفايسبوك
هذا العالم الجديد أغرقنا في الدلال. حفظ كلماتنا القديمة الّتي نسيناها أنفسنا. أشعرنا أحياناً أنّنا مفضوحين وغضبنا منه وربما قررنا إغلاق الصفحة وسرعان ما عدنا لها. أهدانا مؤخّراً شريطاً للذكريات إمعاناً في تدليلنا، حوّل الجميع إلى أبطال أفلام قصيرة ونجوم. لم ننتبه أنّه سلبنا حميمية ما. أغرقنا فيه أكثر وأكثر حتّى كدنا ننسى أحياناً أنّ "الحياة في مكان آخر"، كما يقول الروائي التشيكي الشهير ميلان كونديرا.

لقد نجح موقع التواصل الاجتماعي “الفايسبوك”، خلال فترة قصيرة، في أن يجذب مئات ملايين المستخدمين من أنحاء العالم كافّة. البعض دخله مبكراً وانغمس فيه، البعض دخله متأخراً ومتردداً وعلق فيه، والبعض الآخر – وإن كانت أقلية – ما زال يرفضه ويعتبر أنّه ينتهك الخصوصية ويحوّلنا إلى “مشاع” يمكن للجميع الاطّلاع عليه.

منذ بداية تفاعلنا معه، أحدث الفايسبوك تغييرات جذرية في حياتنا. “صارت الناس بتتصوّر كرمال الفايسبوك”، قال لي أحد الأصدقاء مرّة. صار وسيلة لتعقّب أخبار الآخرين، وإن بصمت، والتفاعل معهم. قلب حتى معادلة العلاقات العاطفية وسهّل التواصل كما صعّب أحياناً الانفصال. من منّا لم يدخل إلى صفحة شريكٍ سابق أو شريكة سابقة وصديق سابق أو صديقة سابقة لنرى كيف يتابعون حيواتهم في غيابنا؟ سهّل التعارف بين الناس. كم من العلاقات الحالية تبدأ عبر الفاسبوك؟ صار أيضاً مكاناً للمعاكسة والغريب أنّ هذه المعاكسة التي لم تكن مقبولة في الشوارع –تلطيش- باتت أكثر قبولاً عبر الافتراضي.

صار الفايسبوك مكاناً أيضاً لمتابعة الأخبار والأحداث والتعليق على كل ما يحدث. أثّر حتّى في أسلوب الكتابة الصحافية لتصبح المقالات الأكثر قراءة هي الأقصر إجمالاْ. وقد حوّل الجميع إلى محلّلين سياسيين يعلّقون على الأحداث القائمة. لماذا كلّ هذا الإقبال على الفيسبوك ولماذا تفضيله على التويتر وباقي مواقع التواصل الاجتماعي؟

لقد استطاع الفايسبوك أن يحدث نوعاً من العدالة بين الناس، عدالة في الواجبات والحقوق. الخدمات نفسها متاحة للجميع من تحميل الصور إلى مشاركة المقالات الصحافية إلى إضافة الأصدقاء. لا ميزات لأحد هنا. لقد استطاع أيضاً أن يعزّز شعور المرء بأهمّيته وأعطاه حيّزاُ للتعبير عن ذاته، حيّزاً ينقصه في الحياة العادية. أعطاه أيضاً نافذة تجعله يشعر أنّ لحظاته مع العائلة وأحداثه اليومية تستحق المشاركة مع جماهير من المعجبين.

في هذا الحيّز الافتراضي، وجد الناس متنفّساً وحياة بديلة. صاروا يخوضون حروبهم هنا أحياناً أو يتعاتبون ويتصالحون. شعروا أنّه بإمكانهم أن يشاركوا طعامهم المفضّل ويعبروا عن تضامنهم مع القضايا الإنسانية. لم يشعروا أنّ حياتهم الاجتماعية صارت ناقصة قليلاً ولكن هل كان هناك هذا التفاعل الغزير مع الآخر من قبل؟

هذا العالم الجديد أغرقنا في الدلال. حفظ كلماتنا القديمة الّتي نسيناها أنفسنا. أشعرنا أحياناً أنّنا مفضوحين وغضبنا منه وربما قررنا إغلاق الصفحة وسرعان ما عدنا لها. أهدانا مؤخّراً شريطاً للذكريات إمعاناً في تدليلنا، حوّل الجميع إلى أبطال أفلام قصيرة ونجوم. لم ننتبه أنّه سلبنا حميمية ما. أغرقنا فيه أكثر وأكثر حتّى كدنا ننسى أحياناً أنّ “الحياة في مكان آخر”، كما يقول الروائي التشيكي الشهير ميلان كونديرا.

السابق
شكرا فايسبوك على اللحظات السعيدة.. النادرة
التالي
أيّها الشيعة: هكذا نقضي على التكفيريين