«الانغماسي»

الانتحاري والاستشهادي

ليس مصطلح «الانغماسي» الذي تتناقله مصادر إعلامية، الدليل إلى فهم دوافع الانتحاريين الذين يعيشون في «بيئات عدوة ويقاتلون فيها حتى الموت»، كما يعرّف ذلك بعض علماء الاجتماع. لا ليس الأمر كذلك حين ينغمس بعضهم في لعبة غير أخلاقية تبدأ من عند الانتحاري الذي يزنّر جسده بحزام ناسف ويتغلغل بين الناس الأبرياء ليفجّر نفسه، ولا تنتهي بفضائيات تتلهى بعروض غير أخلاقية لأشلاء وبقايا محترقة ثم تردد بعض الاعتذارات غير المكلفة.
ما حدث مثلاً في تفجير الشويفات في لبنان قبل أيام يحمل علامات وتعريفات جديدة لهذا النوع من الانغماس الأعمى في الشر غير التقليدي، لكنه يضيء على نوع من «الأخلاق» المتدنية التي تصدر عن «منغمسين» كثر في هذه الأفعال الشنيعة التي صارت مطلباً حياتياً ويومياً عند بعض القائمين عليها.
الفيلم المصور الذي بث بعد دقائق على التفجير يحمل أعراضاً مكثفة عن ردود فعل غير سوية عند بعض المتأثرين بهذا الفعل. هذا صحيح. يمكن قراءة هذا السلوك من باب الانغلاق على الذات جراء تعاظم شعور جماعي بالهلع، كأن يعمد بعضهم الى حمل رأس الانتحاري والتقاط صور تذكارية معه، فيما يهلل آخرون، ويندد فريق ثالث من باب الدفاع عن الأخلاق، أو من باب الإبقاء على الأدلة التي قد تساعد في التحقيقات.
يمكن تفهم سلوك بعض من كانوا في موقع الحدث. الخوف يطفو في مثل هذه الأحداث على السطح ويدفع كثراً لتبني سلوك الدفاع عن النفس، وأحياناً إلى سلوك هستيري ناشئ أصلاً عن فعل شاذ وغريب، فأن يقوم «انغماسي» بركوب «فان» ليفجّر نفسه بين ركاب أبرياء، فهذا قد لا يعفي من تصور ردود فعل الأحياء الذين نجوا من التفجير، أو الذين كانوا هناك ساعة حدوثه وتبريرها أحياناً.
ولكن من باب قراءة ما يحدث اليوم، لا يمكن تفهم السلوك غير الأخلاقي وغير المهني الذي يرافق مشاغل هؤلاء الانغماسيين في تسطيرهم لملاحم «الوهن البشري» في أبشع الدقائق التي تلي قيامهم بها، وكأن من سيرافقهم على علم بأسمائهم وقوانينهم الجديدة الناتجة من عولمة أفعالهم الاجرامية، حتى أن الفعل الأخلاقي هنا يغيب عن المشهد، ولا يعود استلهامه أو محاكاته يعني شيئاً للقائمين على بعض هذه «المستحاثات» الفضائية.
قد يبدو المصطلح هنا نافراً ولا يطابق واقع الفضاء التلفزيوني المتبدل في كل ثانية. هذا صحيح. لكنّ مصطلح الانغماسي نفسه الذي يروّج له بعض هذه الفضائيات للتدليل على نوع جديد من البشر أضحى يعيش بيننا بـ «جدارة»، يمكن قرءاته من باب التعليل النفسي والاجتماعي، وقد يغدو صحيحاً حينئذ القول إن الجميع قد يسقط في بلادة أخلاقية حين يكف عن الخوف من بعضه بعضاً، وبالتالي يمكن لبعضهم أن ينغمس بأفعال اجرامية جديدة ومتواصلة لأن البيئة أضحت حاضنة غير طبيعية لمثل هذه الأفعال.

السابق
خزانة اميركا: اتخذنا اجراءات ضد افراد غير ملتزمين بالعقوبات على إيران
التالي
واشنطن ستمنح إيران مقعداً بجولة جنيف 2 المقبلة