رلى يعقوب أيضاً كانت يوماً فتاةً صغيرة

رلى يعقوب كانت يوماً جنيناً حمله رحم أمّ قبل أن تلدها. كانت فتاةً صغيرة. كانت أيضاً مشروع حياة. من أين يأتي الأزواج بهذا الحقّ للاعتداء على نسائهن؟ من أخبرهم أنّ هؤلاء النساء يصبحن ممتلكات لهم حين يصير هناك عقد بينهما؟ ومن أخبر القضاء اللّبناني أنّ جريمة كهذه من الممكن أن تمرّ عابرة من دون محاسبة؟

تخيّل المشهد التالي: أن تمضي أمّ عمراً بأكمله في تربية ابنتها، أن تستيقظ ليلاً لتغطّيها من البرد أو لتطمئن أنّ حرارتها ليست مرتفعة أو لتعطيها الدواء إن مرضت. أن ترضعها من ثديها وتنفصل عن حياتها الاجتماعية لتهتمّ بطفلتها. أن تبتسم حين تناديها الطفلة “ماما” أوّل مرّة أو حين تبدأ بتحريك قدميها في محاولة للمشي. أن يمضي أب يوماً طويلاً في العمل ويعود ليرى ابنته قد رسمت له صورة ملوّنة وعلّقتها على البرّاد. أن تتمسّك بثيابه لتمنعه من الذهاب إلى العمل. أن تتدلّع عليه قليلاً ليأخذها ويشتري لها البوظة. أن تكبر الفتاة قليلاً. أن يسعد أبوها وأمّها بعلامة متفوّقة حصلت عليها في المدرسة. أن يسمعا صوت البنت وهي تدندن. أن تبتسم الأمّ وقد بدأت دورة بنتها الشهرية وأصبحت “صبيّة”. أن يكبر ثديا الفتاة قليلاً فيشعر الأب أن ابنته الصغيرة تكبر ويبدأ بالقلق قليلاً. أن تحضّر الأمّ طعام الفتاة المفضّل ويذهب الأب ليشتري لها لعب وملابس العيد. أن تصبح البنت مراهقة وتتشاجر قليلاً مع الأم وتثور على الأب. أن تتعقّل. أن يتصالحوا. أن يحضرا حفل تخرّجها من الجامعة. أن تتجادل العائلة أيّ اختصاص جامعي ستختار الصبيّة. أن يخاف أهلها من رفاق السوء. أن تلجأ الفتاة لنصيحة أمّها أو حكمة أبيها. ثمّ بين ليلة وضحاها، أن تختفي الفتاة من المنزل. أن تتزوّح وتصير امرأة. أن يفرح الأهل قليلاً وأن يشتاقوا إليها. أن يذهبوا لزيارتها يوماً ليروا آثار كدمات على وجهها. أن ينظرا إلى عينيها ليشاهدا ملامح الإهانة. ألّا يعرفان ماذا يمكن أن يفعلا.
هذا المشهد ممكن جداً في مجتمعاتنا وإن اختلفت سيناريوهاته مع احتمال غياب الأمّ أو الأب او اختلاف الظروف. هذا المشهد اتّخذ قالب الأمّ المخذولة من القضاء اللّبناني في قضية رلى يعقوب الّتي برّأ القضاء زوجها من التسبّب بقتلها. رلى يعقوب كانت امرأة معنّفة وانتهت امرأة ميّتة على الأغلب من جراء البطش والضرب. القضاء اللبناني لم يستطع أن يدين الزوج. الأمّ عاجزة أمام جثّة ابنتها رغم اقتناعها أنّ الزوج تسبّب بمقتلها.
رلى يعقوب كانت يوماً جنيناً حمله رحم أمّ قبل أن تلدها. كانت فتاةً صغيرة. كانت أيضاً مشروع حياة. من أين يأتي الأزواج بهذا الحقّ للاعتداء على نسائهن؟ من أخبرهم أنّ هؤلاء النساء يصبحن ممتلكات لهم حين يصير هناك عقد بينهما؟ ومن أخبر القضاء اللّبناني أنّ جريمة كهذه من الممكن أن تمرّ عابرة من دون محاسبة؟ ومن أخبر النساء أنّ عليهنّ أن ينتظرن عدالة إلهية ما لتنصفهنّ؟ عدالة لا نستطيع حتّى أن نتأكّد من وجودها؟

السابق
هدوء في عين الحلوة
التالي
ما هو السبب وراء خوف كيري؟