لاهاي: نقطة على سطر التفلّت من العقاب

يضع قضاة دوليون من المشهود بنزاهتهم اليوم في ضاحية لاينسدام في عاصمة العدالة الدولية لاهاي، نقطة على سطر زمن التفلت من العقاب في اطار الاغتيال السياسي الذي ضرب لبنان منذ عقود، وتصاعد بقوة منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ليحصد 11 شخصية من رموزه السيادية وجميعها مناهض لتبعية “حزب الله” المطلقة لايران ولهيمنة سوريا على اراضي بلاده.
هو حدث لبناني اقليمي دولي، ويوم تاريخي غير مسبوق قد تحقق للبنان وللعالم العربي بمجمله. فرغم طول المدة التي ناهزت تسع سنوات من يوم 14 شباط 2005 الذي غير صورة لبنان بما اجبر القوات السورية على الانسحاب بعد نحو شهرين الى 16 كانون الثاني 2014 ، ورغم كل محاولات تشويه صورة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي قام بها “حزب الله” ووسائل اعلام لصيقة به عبر تسريبات تضر بسمعتها، ورغم اعلان الحزب من دون مواربة انها مجرد مؤامرة اميركية- اسرائيلية ضده ورفعه المتهمين الاربعة من قيادييه الى مصاف القديسين وامتناعه عن تسليمهم، فقد اضيف اليهم مؤخرا متهم خامس من الحزب نفسه. وكذلك رغم “مؤامرة شهود الزور” التي ابتدعها ليسقط حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الرئيس سعد الحريري ثم تناسيه، مع الحكومة التي شكلها برئاسة نجيب ميقاتي، هذا الملف، الا انه لم ينجح في منع التزام لبنان دفع حصته من تمويل المحكمة.
صحيح ان المرحلة الاولى تتعلق بحادثة اغتيال الحريري وتشمل محاولة اغتيال سبقت وطاولت النائب والوزير السابق مروان حمادة اضافة الى محاولة لاحقة استهدفت الوزير السابق الياس المر ومن ثم اغتيال جورج حاوي، لكنها بالتأكيد تفتح الافق على كل مشاهد الاغتيال السياسي وصولا الى آخرها قبل اسابيع قليلة والتي استهدفت مستشار الرئيس سعد الحريري الوزير السابق محمد شطح على بعد امتار قليلة من بيت الوسط.
ولقد اكد الناطق باسم المحكمة مارتن يوسف ان القرار الاتهامي بحق عناصر “حزب الله” الاربعة لم يكشف حين صدوره في آب 2011 عن كل ادلة الادعاء، لان قرار المحكمة رفع السرية عنه طاول اجزاء محددة.
فهل تتضمن المفاجآت، التي لوّح بها قبل ايام قليلة المدعي العام نورمان فاريل، مثلا ادلة تعيد الضباط الاربعة، مسؤولي اجهزة امنية لبنانية حينها، الى الواجهة، وهم الضباط الذين اخلت المحكمة سبيلهم فور قيامها تطبيقا لنظامها، او تستعيد اسماء خمسة مسؤولين سوريين وردت في نسخة تقرير رفعها في البداية القاضي ديتليف ميليس ثم اختفت بقدرة قادر فلم يظهر لها اثر في القرار الاتهامي؟
وتحظى هذه المحكمة بتأييد دولي جامع، شمل قبل ايام قليلة روسيا، وقد اعرب عنه وزير خارجيتها سيرغي لافروف خلال لقائه الرئيس سعد الحريري.
تنطلق المحاكمات وسط مشهدية حاشدة يتصدرها سعد الحريري ولفيف من اهالي الضحايا والمتضررين، اضافة الى حضور ديبلوماسي لافت، فيما تنتظر البلاد ولادة صعبة لحكومة ترتبط ضرورتها باقتراب الاستحقاق الرئاسي وسط غموض يلف مصيره.
ويتساءل سياسي لبناني مخضرم عن احتمالات انعكاسات مستجدات لاهاي على الوضع السياسي الداخلي مع تهافت “حزب الله” على قيام حكومة لن يتعدى عمرها الاشهر القليلة، خصوصا انها وإن سمّيت حكومة جامعة، فهي لا تستند الى توافق سياسي بين مكوناتها، والذي يبقى مستحيلا طالما ان “حزب الله” منغمس في الحرب السورية الى جانب النظام الاسدي. كما يتساءل عن تأثير حجم الادلة الجديدة على “مؤتمر جنيف 2” الذي ينعقد بعد اقل من اسبوع للبحث في قيام سلطة انتقالية في سوريا.

السابق
يجب أن تبقى حلقة الاتحاد الأوروبي الضعيفة صامدة
التالي
بدء الاستماع الى الشهود الاربعاء المقبل