هكذا قاتلت في الجيش الحرّ بعيدا عن معارضي الفنادق

الجيش الحر
"أصبحت حرب كبار وتصفية حسابات على أرضنا". يقول لـ"جنوبية" المقاتل السابق في الجيش السوري الحر محمد كرواني، ناقماً على معارضي "الفنادق والدولارات الذين يتاجرون بالدماء". هو الذي تحوّل إلى مقاتل بعد اعتقالات بلا سبب وتعذيب بشع من استخبارات الأسد، وبعدما سرق رجال الجيش النظامي شاحنته، مورد رزقه الوحيد. هي سيرة الآلاف ممن زجّهم نظام الأسد في قلب المعركة.

 “همي الوحيد تأمين لقمة العيش لأولادي لأنّها أصبحت حرب كبار وتصفية حسابات على أرضنا”. بهذه الكلمات يصف المقاتل السابق في الجيش السوري الحر محمد كرواني حاله ناقماً على معارضي “الفنادق والدولارات” كما وصفهم، لأنّهم برأيه “يتاجرون بالدماء، ونصّبوا أنفسهم متحدثين باسم الناس من دون أن ينتخبونهم”.

دعاء محمد كرواني وقلبه مع الجيش السوري الحر “الذي يروي تراب الوطن من دمائه”، متبرئاً من “جبهة النصرة” وتنظيم “داعش” نافياً أي علاقة للجيش السوري الحر مع تنظيم “القاعدة”، ومع ذلك لا ينفي وجودهم وتأثيرهم في المعارك: “هلق صار في عنا كوكتيل والحرب ما رح تنتهي” .

كروان هو مقاتل أصيب في معارك القصير. من حيّ باب عمرو في محافظة حمص وصل الى لبنان عن طريق جرود عرسال في شباط الماضي بعد خمسة أشهر من إصابته في الطحال و الأمعاء والحوض. وصل الى لبنان والالتهابات تزداد في جروحه بسبب قلّة الأدوية ومعدّات العلاج على أرض المعركة، فتكفلت بعلاجه إحدى الجمعيات الإسلامية في المنطقة، بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة، لأنّ حالته كانت حرجة، وأجريت له خمس عمليات جراحية، وهو يتابع علاجه حتى الآن.

“النظام أجبرني على حمل السلاح في وجهه ولست نادماً بسبب الظلم الذي تعرضت له”، يقول وقد امتلأت عيناه بالدموع وبدأ يسرد حكايته: “عند بداية الثورة كانت سلمية ومطلبها إسقاط المحافظ في حمص (محمد إياد غزال) الذي كان مقرباً من النظام، حينها قررت ألا أدخل في هذه الأحداث وأن يبقى همي تأمين لقمة العيش لأولادي، رغم أنني أعيش في حي باب عمرو، أي في واحدة من أكثر المناطق سخونة، التي انطلقت منها الثورة”.

ويضيف كرواني: “كنت أعمل سائق سيارة شحن عمومية وفي ليلة كنت أنقل في الشاحنة 50 طنا من السماد الزراعي من حمص الى مصنع في محافظة حلب. وفي طريقي فرغت الشاحنة من الوقود ولم يكن أمامي إلا أن أطلب المساعدة من حاجز كان قريبا مني للجيش السوري النظامي. أخبرتهم قصتي فطلبوا بطاقة هويتي وقاموا بتفتيش الشاحنة، ولأني من باب عمرة ومن الطائفة السنية بالتحديد انهالوا علي بالضرب الى أن فقدت الوعي وعندما استرجعت وعيي وجدت نفسي مكبل اليدين في فرع المخابرات، مارسوا علي أبشع أنواع التعذيب لمدة ثلاثة أشهر وأربعة أيام.. من تعذيب بالكهرباء الى الضرب وصولاً الى قلع أسناني وأظفاري في الكماشة لكي أعترف بتهم نسبوها إليّ لم أرتكبها، مثلاً انني أنقل السماد الى الإرهابيين لكي يصنعوا منها المتفجرات أو أنني أخرج في تظاهرات ضد النظام وطلبوا مني أن أخبرهم عن أسماء من كان يخرج وينظم التظاهرات أي أن أقدم معلومات عن جيراني ورفاقي وأهلي وعندما يئسوا من أن أعترف أخلوا سبيلي”.

عين محمد محامياً لكي يسترجع سيارته التي هي مورد رزقه الوحيد. لم يقصر مع المحامي في دفع أتعابه. دفع له كل ما لديه من مال، وجاء المحامي بالبشارة: “أخرجت لك الشاحنة ولكن لا تصلح للإستخدام يمكن أن تباع للكسر”، وبعد يومين من هذه الصدمة أُبلغ محمد أنه مطلوب للتحقيق من جديد في فرع المخابرات الرئيسي في الشام: “الله اطلع فيي أول مرة كيف بدي ارجع لعندن، كل السوريين بيعرفوا شو يعني تحقيق”.

أصبح كروان بالنسبة للنظام متخلفا عن العدالة فانخرط حينها مع أبناء منطقته في التظاهرات و العمل على إسقاط النظام و كان من أسبابها ودائماً حسب تعبيره “الظلم الشديد” الذي كانوا يتعرضون له. من ارتفاع أسعار المواد الغذائية الضرورية والغاز والفساد المستشري في الإدارات العامة والبطالة والإعتقالات العشوائية لأتفه الأسباب: “إذا طلع صوت مفرقعات نارية كانوا يتهمون الحارة بأكملها ويبدأون في الإعتقالات مصرّين على أنّه صوت إطلاق رصاص”. ويتابع: “كانت تظاهراتنا سلمية لكنهم بدأوا بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين فبدأنا بالدفاع عن أنفسنا وعن بيوتنا وأعراضنا”.

عن السلاح و من أين حصلوا عليه يقول محمد أنّه “كان من العشائر الذين يملكون السلاح بعلم النظام إضافة إلى قطع كنّا نسيطر عليها عند مطاردتنا الجيش السوري، والقسم الأكبر اشتريناه من لبنان، لأن المسافة بين حمص والحدود اللبنانية (أي منطقتي الهرمل واللبوة) 45 كيلو مترا فقط، فكنا نشتري الذخائر والأسلحة عن طريق تلك المناطق.

لكنّ عزمهم وأسلحتهم لم تقاوم السلاح الجوي والمدافع التي استخدمها النظام. دمرت باب عمرو: “قمنا بالإنسحاب تكتيكياً الى القصير واستمرينا في المقاومة الى ان دخل حزب الله وقلب الموازين، نعم وقتها بدأت المساعدات العسكرية تصل إلينا لكنها لم تكن كالمطلوب”. وعن جبهة النصرة يقول محمد: “في القصير كان 50 شاباً ينتمون الى جبهة النصرة متشددين دينياً لم نكن نتفق معهم. كانوا بحالهم ونحن بحالنا”. وقبل سقوط القصير أصيب محمد وبقي لخمسة أشهر يعاني في شبه مستشفى الى أن أمن الجيش السوري الحر له الإنتقال الى لبنان مع بعض النساء والأطفال عن طريق جرود عرسال: “أمضينا 16 ساعة على الطريق”.

يختم كرواني: “أصبحت أعاني من عاهة دائمة ولم أستطع أن أعود و أكمل المقاومة مع أبناء وطني لكنّ الله معهم، أميركا وروسيا والصين مع بشار الأسد، وهو حالياً ينجح في تشويه صورتنا  وتسميتنا بالإرهابيين أمام الغرب بسبب ممارسات من هم دخلاء على الشعب السوري”.

السابق
وفاة عباس كرنيب مراسل قناة المنار
التالي
أخلوا الضاحية لننجو: التكتك بدل الرباعي الدفع؟