شهيدات حيّات في الخلفية: متى تقاتل نساء حزب الله؟

الشهادة لها قيمة معنوية عند عامة الناس. فكيف اذا كانت في سبيل قضية وطنية كتحرير الجنوب. الا ان حزب الله قدّس قتاله في سوريا وجعل مجتمعه يتبعه في هذا. وكانت نساؤه هن الزينبيات، أي الدروع الخلفيّة للجبهة. فما هو وضعهن؟ والى متى غيابهن عن الريادية في هذا المجال؟ وهي سنرى قريبا صور شهيدات قضين في سوريا أو على الحدود مع إسرائيل؟

من نافذة السيارة، في جولة على بعض القرى في قضاء الزهراني شاهدتُ جلديّات (فليكس) متنوعة الأحجام ملونة ومزينّة بعبارات التمجيد لشبّان في عمر الورود قتلوا في سوريا أي ما بين 18 الى 22 عاما، يرتدون لباسا عسكريا موّحدا (من أعمال الفوتوشوب). شبّان ثانويون او جامعيون او عمال او مهنيون.. كنت في كل مرة أتأمل هذه الصور ذات اللونين الأخضر والاصفر أسأل نفسي: كم سيدوم بهاؤها؟ كم ستدوم ألوانها؟ متى سينسى رفاق هذا الشاب وإخوته وجيرانه وجهه الوضّاء؟

بالطبع مع كل اسم جديد ننسى من سبق، لأنّ الانسان بطبعه ينسى، إلا والدته ووالده. ومشكلتنا ليست هنا لأنّه لا رادّ لقرار ليس مجمعا عليه فقهيّا اصلا. هذا اذا كانت الفتوى الشرعية هي التي تُحرّك من يرسل هؤلاء الشباب الى القتال.. مشكلتنا هي التالية: أين فتياتنا ونساؤنا؟

ورد في بعض المواقع الاخباريّة ان عدد قتلى حزب الله في سوريا شارف على 800 قتيل، والبعض قال 400 قتيل، والبعض الآخر قال 220 قتيلا. ولن ننسى بالطبع شهداء الاعتداءات الاسرائيلية وشهداء المقاومة الاسلامية.

المغزى من هذا الاستعراض لعدد الشهداء والقتلى والموتى هو لنكتشف انّ جميعهم رجال، ورجال فقط. وليس كما هو حال الأحزاب المقاومة الأخرى (الحزب القوميّ – الحزب الشيوعي..).

ولكثرة ما جالت الفكرة في رأسي حول الموضوع تخيّلت صورة فتاة محجبّة تعلوها كلمات تمجيد وتبجيل وهي تحمل السلاح بوجه عدوها الذي قضت على يديه، مع وعد بالنصر كما جرى مع سناء محيدلي ورفيقاتها.

نساؤنا يدفعن ثمن قرار دينيّ أنّه “ليس على المرأة القتال والجهاد”.. ثمن يدفعنه من نواحي عديدة، ولا ينلن شرف أجر أعمالهن. بل إنّ زوجات الشهداء يدفعن ثمن صبرهن ما لا تتحمله أيّ إمرأة عادية لجهة أهل زوجها وأهلها ومجتمعها وبيئتها.

وهذا كله مع عدم شكرهنّ، بل ان البيئة المحيطة بهؤلاء النسوة تُشيع على الدوام فلسفة انه نظرا لارتفاع عدد القتلى والشهداء فقد بات لزاما على كل امرأة ان تشارك ثلاث نساء أخريات في رجل واحد بداعي الإختلال العددي بين ارتفاع عدد الأرامل وقلّة عدد الرجال.

خلل عدديّ سببه الفتاوى والنظرة الرجعيّة لدور المرأة، علما ان حزب الله درّب ويدرّب نساءه على السلاح الخفيف كجائزة ترضية لهن. لأن نساءه يملكن من القوة ما تعادل قوة رجاله.

لكنّ المسألة ليست في حبّ القتل والقتال، كما قد يعتقد البعض، انما في اعتبار هذه المرأة التي تدفع ابناءها للقتال هي امرأة تستحق أن نمنحها دورا يعتبره مجتمعها ومحيطها أساسيا لدرجة تقديسه وتبجيله وترفيعه.

وبالطبع يتم تبرير مقولة عدم وجوب القتال على المرأة باستدعاء دور السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب التي عاشت في القرن الاول للهجرة، اي منذ ما يزيد على ألف و300 عام. لكن لا يتم استجلاب دور الايرانيات اللواتي شاركن كالرجل في الثورة عام 1979 أي منذ ثلاثة عقود فقط بحجة اختلاف البيئة بين ايران ولبنان. لكنّ السؤال: لما لا نستعين بهذا القياس في الأمور السياسية والعسكرية مثلا؟

وفي محطات أخرى كثيرة، نرى حزب الله وعلماءه يشيعون افكارا اسلامية مرجعها التفسيري عربي لا فارسي، لأنّ ذلك يتماشى مع البيئة العربيّة التي تشير الى المرأة كنموذج ذي دور ثانوي غير أساسي.

وللدلالة على ذلك لنرَ عقد الزواج وحقّ الحضانة والعمل السياسي للمرأة في ايران الذي وصل الى مرحلة تُعتبر تقدميّة اذا ما قورنت بوضع المرأة في المجتمع العربي ذي الصبغة الإسلاموية الثوروية حيث تم نقل فلسفة الثورة والشهادة وتفاصيلها، في حين تم الاعفاء عن كل ما يصلح ويُغيّر وضع المرأة المتخلّف عربيا، على الصعيد الاجتماعي بشكل خاص.

ولم يُكلّف هذا الحزب – الثائر على كل المقاييس الرسميّة باعتباره اسلاما محمديا اصيلا كما يطلق على نفسه – ان يُغيّر، ولو على صعيد داخلي، فظلّت نساؤه كنساء المسلمين بشكل عام دون ادوار سياسية او ثقافية او عسكرية، عدا عن وضعها المزري في المحاكم الجعفرية اللبنانية، والقوانين الشرعيّة الاسلاميّة لدى غير المحاكم.

السابق
فستق: حقيقة وفاة الماجد مجرد احتمال ما لم تسلم جثته إلى ذويه
التالي
لم يجر أي تحقيق أو إفادة قضائية مع الماجد قبل وفاته