قراءة اولية في اغتيال جديد

حين انعطف الموكب المؤلف من ثلاثة سيارات، واصبح بامكان الركاب رؤية مبنى الستاركو، حيث مكاتب رئيس الحكومة المستقيل نجيب ميقاتي، انفجرت سيارة مفخخة باكثر من 40 كيلو من المواد الناسفة، قاتلة الوزير السابق محمد شطح، مستشار رئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري.
فريق سعد الحريري قليل الحظ، او بالاحرى هو دائما تحت مجهر المراقبة الامنية اللصيقة لاعدائه، دائما ما ينجح المستهدفون بالنيل من شخصيات الفريق الحريري، ودائما ما يكون هناك خلل امني في مكان ما، لا يدقق كثيرا الفريق الحريري ليعرف اين هو الخرق، فيتفاداه، ويذهب وسام الحسن وغير وسام الحسن دون اية تعديلات تذكر على اجراءات الفريق الحريري.
علما ان السلوكيات التي يمارسها القتلة متشابهة، عبوات ناسفة في سيارات مركونة الى جانب الطرق، يتم تفجيرها عن بعد من فرق رصد ومراقبة، وعادة ما تكون السيارات مركونة قرب المفترقات، حيث يضطر سائق السيارة المستهدفة الى التخفيف من سرعته، ما يتيح المزيد من الدقة في اصابته.
الاهم من الزاوية الامنية في الواقع هو الناحية السياسية، التي ترسم مراحل الصراع في سوريا ولبنان، والمنطقة، هذه السياسة التي وصلت الى حد التعثر المطلق، وراحت الاطراف المتنازعة تتحاور بالدم، وبدم سياسييها ومؤيديها. اليوم تم تصفية محمد شطح، وكان اصدق ردود الفعل هو ما قاله وزير الداخلية مروان شربل، وصدق الرجل ربما يأتي من تواضع وقلة حيلة، وليس انطلاقا من قاعدة “خذوا الحكمة”.
الوزير شربل يقول في حوار سريع مع الصحافيين ان “الحل السياسي لما يجري في لبنان بأن نجلس مع بعضنا ونتحاور، لا اعرف متى سنفكر اننا لن نرى هذه الامور مجددا”، ما يعنيه ببساطة شربل ان اللبنانيين يقتلون بعضهم بعضا، وان الحل في حوار او مؤتمر تأسيسي كما يدعو الامين العام لحزب الله حسن نصرالله.
القتلة اللبنانيون يوجهون اهدافهم الى نقاط محددة، لا قتل عشوائي هنا، سواء الهدف مباشر او غير مباشر (اي ما يسمى رسالة سياسية)، ولكن شطح نفسه يبدو هدفا مغريا، فهذا الرجل المستشار لسعد الحريري هو التلميذ والصديق المخلص لفؤاد السنيورة واحد افراد طاقمه الخاص، وشطح هو الشخصية الاكثر تحببا لدى الغربيين من الاوروبيين والاميركيين، وهو لم يفقد الكثير من رصيده كاستاذه فؤاد السنيورة، الذي بات بنظر الجميع ورقة خاسرة، وشطح ليس فقط مرشح دائم لتولي حقيبة اساسية في اية تشكيلة حكومية مقبلة، بل هو مرشح غربي لترؤوس حكومة “من طرف واحد”. اذ يمكن لشطح ان يكون رئيس حكومة 14 اذار يوما ما، او في يوم انقلابي على توازنات لبنان والصراع في سوريا.
الانكى ان شطح يعتقد فعلا ان الاسلام السياسي هو ما يعيق التطور في المنطقة، وصرح بذلك مؤخرا، وحين يتحدث عن الاسلام السياسي فهو لا يوجه سبابته نحو القاعدة والاخوان المسلمين، بل اولا الى حزب الله، الذي خاض ضده شطح معارك سياسية وكلامية لم تنته الا قبل ساعة واحدة من مقتله في تعليق ارسله على تويتر.
من يراجع حركة محمد شطح خلال الايام الاخيرة يعلم الى اي حد كان الرجل ناشطا، هذه الديناميكية الفائقة في وضع نزاعي طاحن يؤدي بصاحبه الى الموت، لا حكومة من طرف واحد، ولا امر واقع يمكن ان يعيش لاكثر من ساعات، ولا حراك سياسي من دون العودة الى موازين القوى، وعلى الجميع التعلم.
على الاقل هذا ما يمكن استنتاجه سياسيا من عملية جراحية استأصلت محمد شطح خلال ذهابه الى اجتماع في منزل سعد الحريري في الوسط التجاري في بيروت لحضور اجتماع لكتلة المستقبل النيابية. وتبقى قوى 14 اذار تثير الشفقة، ليس فقط لانها تتعرض للتفجير في كل حين، بل لان خياراتها السياسية الخارجية ادت بها الى العجز والى الفشل تلو الفشل.
اما اتهام اسرائيل حينا والتكفيريين والسعودية حينا اخر، فتلك ملهاة تغطي المأساة الطائفية والقتل المتبادل.

السابق
الاتحاد الاوروبي يدعو القادة اللبنانيين الى التعاون لاعادة الامن الى لبنان
التالي
الرجل الذى أشرف على إعدام صدام: بوش اشار بيده للمالكي موافقاً