الديكتاتورية الأخيرة في أوروبا

تركز انتباه العالم خلال الفترة الأخيرة على شعب أوكرانيا الشجاع، الذي نظم تجمعات كبيرة دعما للانضمام إلى أوروبا بدلا من السقوط في حضن روسيا. لكن من المهم أيضا تذكر أن جارة أوكرانيا من ناحية الشمال بيلاروسيا، وهي بلد يقع جغرافياً في قلب أوروبا لكنه يتناسب سياسيا أكثر مع آثار السوفيات الباقية. معظم سكانها يريدون أن يصبحوا أحرارا لكنهم يتعرضون لديكتاتورية أكثر قسوة من الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

بوصفي مرشحا سابقا للرئاسة في بيلاروسيا قبل ثلاث سنوات شاركت في مظاهرات حاشدة بأعداد لم يشهد لها بلدي مثيلا لسنوات. وتحدى المواطنون من كافة فئات المجتمع في وسط مينسك شرطة الدولة والبرد للاحتجاج على الانتخابات التي شابتها تهمة التزوير الواسع الذي فاز بواسطته الكسندر لوكاشينكو الانتخابات الرئاسية. نحن ندعم أيضا المستقبل مع أوروبا وليس مع اتحاد سوفياتي تجري إعادة تكوينه. ستخيف هذه المظاهرة لوكاشينكو وجماعته. وكانت شرطة مكافحة الشغب فرقت التجمعات السلمية بوحشية، وقاموا بضرب النساء وكبار السن من المواطنين وكل من وصلوا إليه معيدين صورا لم تشاهد في بلدي منذ الحرب العالمية الثانية. قضيت فترة عيد الميلاد ذلك العام والعام الذي تلاه لمدة تزيد على العام سجينا سياسيا في أحد سجون العهد السوفياتي. وأُطلق سراحي نتيجةً لمظاهرة نادرة بعزيمة سياسية في الجزء التابع للاتحاد الأوروبي الذي فرض العقوبات على من يدعمون لوكاشينكو بالمال. على كل حال لم تطبق عقوبات أخرى خطط لها الاتحاد الأوروبي ويرجع ذلك جزئيا للضغط من لاتفيا وسلوفينيا، وظل عدد كبير من السجناء السياسيين في السجن في بيلاروسيا ومنهم زميلي مرشح الرئاسة ميكالاي ستاتكيفيتش والمدافع عن حقوق الإنسان اليس بيالياتسكي.

بدأ غياب العزيمة والاستراتيجية لدى الاتحاد الأوروبي في التعامل مع دول على محيطه بغض الطرف عن دمج لوكاشينكو للسلطة بصورة غير ديمقراطية أواسط التسعينات. وبينما تشهد أوروبا فترةً غير مسبوقة من النجاح الاقتصادي والتوقعات العظيمة والتوسع وتعلن التزامها بالقيم الديمقراطية العامة وحقوق الإنسان، يقوم لوكاشينكو بتزوير الانتخابات بينما يختفي معارضوه في ظروف غامضة. استجاب الاتحاد الأوروبي بتعليق علاقاته مع النظام لكنه لم يتخذ خطوات أكثر جدية مثل بدء التحقيقات وبدلا من ذلك أمل الاتحاد الأوروبي ببساطة أن تكون الانتخابات المقبلة أكثر عدالة. ثم قُتل زعيما المعارضة، اللذان كانا يتمتعان بشعبية كبيرة، يوري زاخارينكو وفيكتور غونشر، في عام 1999، كما توفي غينادي كابينكو في ظروفٍ غامضة. وكان كل منهم يتمتع بدعم كبير ويمكنه الفوز بالانتخابات ضد لوكاشينكو. وعلى الرغم من وضع لوكاشينكو لأكبر نظام استبدادي في أوروبا الحديثة، فإن الاتحاد الأوروبي لم يستجب بالقدر الكافي.

تواجه أوروبا اليوم أزمة قيم حقيقية بالفعل؛ فالاتحاد الأوروبي لا يرى ببساطة أن مهمته تقوية وتطوير القيم الديمقراطية في أوروبا ذاتها، على الرغم من إعلان الاتحاد الأوروبي أن برنامج الشراكة الشرقية الذي يقوم بموجبه جيران أوروبا من الدول الشرقية مثل بيلاروسيا ببناء روابط مع الاتحاد الأوروبي هو إطار عمل مبني عليهم. وبدلا من ذلك تحول البرنامج ليصبح مجرد وسيلة أخرى لتبرير الدبلوماسية والتجارة مع المستبدين، بما في ذلك الحفاظ على علاقة مع لوكاشينكو بالعودة لسياسة «الحوار» مع مينسك.

يرفض الأوكرانيون زعيمهم المستبد من خلال احتجاجات «اليوروميدان». وكان مشجعا رؤية سياسيين أوروبيين وأميركيين، مثل السيناتور جون ماكين وأعضاء بولنديين من البرلمان الأوروبي ووزير الخارجية السويدي كارل بيلدت يحضرون إلى الميدان الرئيس في كييف لدعم الأوكرانيين. على كل حال فإن الدعم المعنوي القوي لا يكفي عندما يتدخل الكرملين بقروضه وبالغاز الرخيص، ليس لمساعدة يانوكوفيتش في حد ذاته ولكن للدفاع عن نموذج الحكم الديكتاتوري في المنطقة.

يعتقد الاتحاد الأوروبي أن بإمكانه الحفاظ على مؤسساته وقيمه بينما يشترك في التجارة مع دول مجاورة غير ديمقراطية مثل بيلاروسيا وأوكرانيا وروسيا من دون تكلفة سياسية أو أخلاقية عليه. هذا خطأ. فليس هناك قدر من الاشتراك أو انفتاح السياسة الواقعية نحو المستبدين يستطيع خلق جيران للاتحاد الأوروبي آمنين وقابلين للتنبؤ.

وهذه ليست المسألة إذا، بل متى سيتخلص البيلاروسيون من آخر نظام ديكتاتوري في أوروبا والانضمام إلى مجتمع ديمقراطيات الاتحاد الأوروبي. كما يجب أن تُبنى استراتيجية تحقيق ذلك على المبادئ. يجب معاقبة لوكاشينكو على الجرائم التي ارتكبها ويجب إشراك شعب بيلاروسيا. وبإمكان إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تقليل الوقت اللازم لذلك بدرجة كبيرة من أعوام إلى أشهر عن طريق دعم الحركات الديمقراطية والصحافة الحرة والمناضلين من أجل الحرية، مع التعاون الشفاف والدبلوماسية المتضافرة مع الاتحاد الأوروبي.

السابق
روسيا في مواجهة أوروبا
التالي
أعرف لماذا قتلوني