شبعا: المهجورة من الوطن كما يهاجر الزوج زوجه

بلدة شبعا
من خلال حب يورق عشقاً أكتب عن شبعا المثقلة وهماً وتعباً، المتروكة عقوداً، أحاول أن أجد لها موقعاً يليق بها على خارطة الوطن لبنان. هي البلدة الأجمل على مسافة جغرافيا الوطن من السفوح الغربية لجبل الشيخ حرمون، السلسلة الشرقية لجبال لبنان إلى أقصى الشمال، لكن المهجورة من الوطن كما يهاجر الزوج زوجه. هنا بورتريه غرام لهذه البلدة – المنطقة.

حقيقة الأمر لا شيء أجمل من الحب، خصوصا إذا كان هذا الحب يبقى عتيقاً يعيد لك الحياة. إن حبّك للأرض التي تمثل هويتها متوجاً باسمها، حيث ينساب منها الأمل، كما ينساب الماء إلى ثنايا الأرض لتعود إليها الحياة. من هنا أحاول أن أجد نفسي وفكري مع قلمي لأكتب لها على صفحات من الورق الأبيض لأجعل منها واحة خضراء فيها طعم الثمار التي تخرج منها رائعة الأرض الطيبة.

شبعا، لمن أراد أن يتعرف عليها، إنها هبة الله على الأرض دون أدنى شك، شامخة من أشجار الجنة زرعها الله على بقعة معلقة بين السماء والأرض على شوار شاهق مزنرة بعدد من الينابيع تجري أنهاراً بين ضلوعها من تحتها ماء وفوقها ماء. شبعا تقع في منطقة العرقوب قضاء حاصبيا تعرف بأم العرقوب وبوابة العبور إلى فلسطين، نظراً لموقعها ودورها في التاريخ منذ قيام الكيان اللبناني عام 1920 مروراً بعام 1943 يوم الاستقلال وصولاً إلى هذه الأيام الأصعب في تاريخ لبنان، كانت مع الثورة التي قادها سلطان باشا الأطرش ضد الاحتلال الفرنسي عام 1925 والتي كان دورها في طليعة المعركة التي قادها أحمد مريود ومجموعة من الشباب الشبعاوي، ومنهم أحمد الخطيب وأحمد ظافر الملقب بالبطل. ودورها النضالي عام 1948، حيث شاركت بشكل مباشر في مواجهة العدو الإسرائيلي تحت قيادة ياسين مريود في جيش الإنقاذ وقدمت الشهداء عرف منهم علي غياض ومصطفى صعب. أذكر أيام الدراسة الابتدائية عندما كنا نستقبل الشباب العربي القادم، من بلاد الشام والعراق معززين بالثقة بالنفس وسلاحهم الإيمان والسيوف والبنادق. أيام تركيا حيث كنا نودعهم وهم ذاهبون إلى المواجهة ببعض الأبيات من الشعر التي كان بعض النسوة يردودنها أمامهم أثناء الوداع: ألا يا راحلون لحرب قوم لئام ضيعوا الوطن الثمين خذوني للوغى معكم خذوني ممرضة لجرحاكم حنونة فإن لم تفعلوا فخذوا ردائي به شدوا الجراح إذا دمينا.

إذا أردت أن تأتي إليها فإننا نرحب بك دائماً، حيث أصبحت بلدة نموذجية ومركزاً سياحياً هاماً ومصيفاً على مستوى الحداثة وهنالك مشروع للتزلج قيد التنفيذ.

يبروت، صيدا، النبطية، مرجعيون، كوكبا، حاصبيا، عين قنيا، شويا، شبعا ترحب بكم. بيروت شتورا البقاع الغربي راشيا الوادي عين عطا شبعا. هذه الطريق تمر في وسط شبعا وهنالك طرق أخرى الهبارية شبعا، كفرشوبا شبعا، راشيا الوادي الحاصباني زغلة. ولأن هذا العشق فيه جدلية بين الإعلام وأصحاب الرأي التقينا الأستاذ محمد حسين شريحي الذي يتعاطى الشأن السياسي والثقافي والاجتماعي وهو عضو مستشار في بلدية شبعا وأجرينا معه هذا الحديث الشيق: الذي يقدّم لمحة موجزة عن التاريخ السياسي لشبعا؟

كانت شبعا منذ تأسيس الكيان اللبناني عام 1920 مركزاً هاماً ومتقدماً في منطقة العرقوب وادي التيم فهي محاطة بجبل الشيخ، بجبل الوسطاني إقليم البلان، إضافة إلى الجليل الأعلى في فلسطين في موقعها العربي بشكل واضح، حيث سجل التاريخ في سجله الذهبي أسماء مجموعة من الشخصيات، رؤساء الطوائف والعائلات الشبعاوية لكل منها مكانة في الصدارة، هم حسن أبو حسين هاشم، مصطفى حمدان، مرشد حسن ضاهر، قاسم محمد غادر، حسن محمد سرحان، إبراهيم الخطيب، شاهين هدلة. هؤلاء الشخصيات الأوائل هم كانوا الطليعة في شبعا، إضافة إلى عدد من الأسماء المعروفة.

إبراهيم الخطيب أول مختار في شبعا تم تعيينه من قبل السلطات العثمانية وذلك قبل سقوط الدولة العثمانية وقبل قيام الكيان اللبناني. حسن أبو حسين هاشم مختار شبعا تم تعيينه من قبل السلطات الفرنسية وذلك زمن الانتداب الفرنسي. مرشد حسن ضاهر تم تعيينه مختاراً من قبل السلطات الفرنسية. قاسم محمد غادر أول مختار في شبعا تم انتخابه ديمقراطياً بعد الاستقلال عام 1943.

المختارون: عبد الصمد ماضي، محمد سليم الزهري، محمد عبد الله دلال، مصطفى عبد الله محمد، محمد مصطفى سرحان، عبد اللطيف نصيف، علي حمد، أسعد خليل فرحات، محمد إبراهيم عطوي، علي حسين ضاهر، مصطفى محمد ضاهر، محمد علي هاشم، رامز حسن الخطيب، إبراهيم الزغبي، خالد عطوي، جمال نبعة، عبدو هاشم، طارق تيسير غادر، محمد قاسم غياض.

نواب المنطقة: علي ماضي، منيف الخطيب، قاسم عمر هاشم. رؤساء بلديات شبعا: سعد الدين ماضي، مسلم قاسم غادر، عمر الزهيري، محمد صعب. نواب الرئيس: محمد مرشد ضاهر، إسماعيل مصطفى حمدان، عبد الحميد سرحان، علي ضيا هاشم، قاسم تفاحة.

الأحزاب: لقد سجل التاريخ أن بداية الأحزاب التي دخلت إلى شبعا كان الحزب السوري القومي الاجتماعي، وذلك مع بداية الاستقلال ثم الحزب التقدمي الاشتراكي عام 1949 عندما صعد إليها عن طريق حاصبيا كمال جنبلاط، حيث عقد لقاء موسع في دارة عبد المجيد ماضي، حيث تقدم إلى الانتساب إلى الحزب مجموعة من الشباب الشبعاوي بشكل غير مسبوق. وتبين بعد فترة قصيرة أن هنالك التزاماً في الحزب الشيوعي اللبناني، ولكن بشكل سرّي. برز دور الأحزاب الوطنية والقومية في مرحلة جمال عبد الناصر، ودوره العربي الذي سجل له التاريخ في تلك المرحلة التي دوّى فيها صوته بشكل واضح “أرفع رأسك يا أخي لقد ولّى عهد الاستعمار، حيث كانت شبعا تعرف بأنها بؤرة الأحزاب، حيث كان موقعها مع الإقطاع السياسي (أحمد الأسعد والأمير خالد شهاب) منذ بداية الاستقلال 1943.

جاءت بداية نضال جمال عبد الناصر مع بداية النصف الثاني عام 1950 حيث تجلى فيها الوعي الوطني والعربي. غير أن احتلال إسرائيل لفلسطين، شكل في حينه دعوة إلى الشباب في العرقوب كما الجنوب صحوة إلى العمل في حركة القوميين العرب.

المرابطون البعث، منظمة البعث العربي الاشتراكي، منظمة العمل الشيوعي، اتحاد قوى الشعب العامل كمال شاتيلا. الأحزاب الناصرية التجمع الوطني لأبناء شبعا العرقوب حركة الوعي الوطني حركة التحرّر الثوري العربي وحزب تيار المستقبل. والأحزاب السلفية التي نشط دورها بعد عملية التحرير عام 2000. يوجد في شبعا 16 مؤسسة تعمل في الشأن العام على رأسها نادي شبعا الاجتماعي.

وعن الأوضاع بعد الانسحاب الإسرائيلي وعملية التحرير عام 2000 يقول شريحي: مما لا شك فيه أن السيادة والحرية والتحرر هما المقياس الفعلي لبناء الوطن، إلا أنني كمواطن لبناني أنتمي إلى هذه المنطقة العرقوب هذا الجزء الغالي من الجنوب اللبناني الذي لي شرف الانتماء له. هذه المنطقة التي عانت الكثير من الظلم والقهر والحرمان على المسار التاريخي الطويل منذ الاستقلال عام 1943 حتى اليوم أسمح لنفسي بأن أقول وبصراحة مطلقة أن الحرمان كان مصدره الدولة اللبنانية التي تخلت عن مسؤولياتها التاريخية مما ساعد السوريين على إقامة حزام أمني داخل مزارع شبعا وذلك ابتداء من عام 1954 حتى عام 1967، مما سمح للعدو الإسرائيلي أن يحتل تلك المناطق التي كانت شبعا تعيش حياتها دون عون من أحد.

كما أن الانفلاش الفلسطيني بعد اتفاق القاهرة عام 1969 سبب الكثير من المشاكل نتيجة انفلاش سلاح المقاومة، تعدد المنظمات بسبب الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 وصولاً إلى قلب العاصمة بيروت. إلا أنني للتاريخ أسجل أن هذه الطرقات التي جعلت منطقة العرقوب شبكة تواصل. كما أسجل أن العديد من الإنجازات التي حصلت أيام الاحتلال الإسرائيلي كان وراءها المرحوم الحاج أسعد السعدي، الذي أحب شبعا وعمل لها من كل قلبه ووجدانه، حيث شهد التاريخ كما الناس على أفعاله إلى اليوم.

السابق
كلود ابوناضر هندي: الجنوب مصدر سعادتي
التالي
إسرائيل ترسم من طرف واحد حدوداً بحرية مع لبنان