#كلنا_أحياء وليس #كلنا_شهداء

كلنا احياء
ان ما يشبه المفهوم الاجوف هو مجرد وسيلة واداة بيد سياسيين ورجال دين يدفعون من من خلاله شبابا مقاتلين حتى يخسروا اعمارهم وحياتهم لمجرد التوهم غير المبني على اسس ثابتة ومتجذرة. وهم بأن القتل هو الطريق الى خلاصهم الابدي وفوزهم السهل بالجنة.

لا شك ولا ريب ان الشهادة والاستشهاد هي من اعلى مراتب البر (فوق كل ذي بر بر حتى كانت الشهادة فما فوقها بر). وهي من اعظم ما يمكن ان يقدم عليه انسان. إذ يدفع روحه وحياته في سبيل قضية آمن بها واعتقد بصحتها. الا ان هذا المفهوم الراقي، كما غيره من المفاهيم، قد يصيبه، ان لم اقل قد اصابه بالفعل، حالة من التشوه والانحراف. وبالتالي فقد تحول من قيمة دينية وانسانية كبيرة الى ما يشبه المفهوم الاجوف او مجرد وسيلة واداة بيد سياسيين ورجال دين يدفعون من من خلاله شبابا مقاتلين حتى يخسروا اعمارهم وحياتهم لمجرد التوهم غير المبني على اسس ثابتة ومتجذرة. وهم بأن القتل هو الطريق الى خلاصهم الابدي وفوزهم السهل بالجنة والرضوان وما وعدوا فيها من ملذات لا تفنى. وهذه النتيجة يمكن ان يحصّلوها بمجرد القتل وبغض النظر عن الهدف او النتيجة المراد تحقيقها او القتال في سبيلها. حتى بات الموت والقتل والشهادة الهدف والغاية. وهذا طبعاً ما يتنافى مع الفهم الديني ومع القيم الدينية التي تأمر باحترام الروح وحرمة التفريط بها الا في حالات استثنائية جداً جداً . على عكس ما نشهده عند الحركات الاسلامية، وبالخصوص المتطرفة منها. حتى بات الاستشهاد والعمليات “الاستشهادية” كما لو أنها متفلتة من أكثر الضوابط الدينية بديهية، فضلاً عن المعايير الانسانية.
حتى وصل الامر بتنا نسمع عن انتحاري يفجر نفسه بمسجد او بسوق خضار او حتى بجنازة! والمفارقة ان هذه الافعال الاجرامية وهذا القتل المجاني يسمى عند هؤلا “استشهاداً”. وقتل الابرياء والاطفال يسمى “جهاداً” فقط لان احدهم صنفهم في خانة الاعداء وبدون اي مسوغ او ركن يستند اليه عقلا او شرعاً!
سقط مفهوم الشهادة الى درك الاجرام وتحول “الاستشهادي” اقرب ما يكون الى قاتل، وكما انني لا اعتقد ان فكر الاسلام عند السنة يرضى بذلك فأنا اجزم ان الفكر الشيعي هو اكثر تعقيداً من هذه الناحية واضيق هامشاً واعظم تحرزاً.
حتى ان السائد الاعم في الفقه الشيعي ومن اجل تكبيل وصد اي عملية استسهال لقتل النفس ولو تحت مسمى الاستشهاد وصل الامر عند معظم الفقهاء الى اعتبار ان “الجهاد” موقوف بل مرفوض قطعاً الى حين ظهور القائم. وفي تراثنا الشيعي الكثير مما يؤكد على ذلك كما جاء عن ابي عبد الله: “ما خرج ولا يخرج منا اهل البيت الى قيام قائمنا احد ليدفع ظلما او ينعش حقا الا اصطلته البلية وكان قيامه زيادة في مكروهنا وشيعتنا”. (مستدرك الوسائل ، 248\ 2).
وفصّل العلماء بين ما هو جهاد دفاعي مشروع عند وقوع الخطر، وبين جهاد هجومي لردع خطر. وهذا لا يكون الا تحت راية الامام المعصوم. هذا في الفقه، اما في السياسة فإننا نشاهد ايضا عملية “تديين” القرارات السياسية ليختصر الموضوع بمجمله بما يسمى “القرار التنظيمي”. ولا ضرورة بعدها لمناقشة الهدف الذي نقاتل من اجله او لاعمال العقل الفقهي الذي امرنا به. وان كنا هنا لسنا في وارد نقاش مصير “الشهداء ” الذين ضحوا بحياتهم عن كامل قناعتهم وبالتالي فالعقل يحكم ببراءة ذمتهم. ولا النقاش يطال مقامهم عند ربهم وهذا ليس من شأننا، الا اننا نرفض عملية التلطي خلفهم والاختباء وراء ما يحمله الوجدان الشعبي لهم من عظيم حب وتقدير واحترام من اجل مصادرة حق النقاش في القضية التي يستشهد هؤلاء العظام من اجلها وان يقينهم  بها لا يكفي لازاحة الشك عندنا.
والنقاش المطلوب هنا لا يقدح البتة لا في مقامهم عند بارئهم ولا بعظمة عطائهم، بل ان كل المطلوب هو عدم الرضوخ لفكرة استسهال الشهادة حتى لا نقع بالمحظور والتأكيد ان “الشهداء”، رغم عظمتهم، فهم ليسوا مجرد اعداد ولا هم مؤشر عددي ترتفع مع ارتفاعه اهمية القضية. والا فإن الحروب كانت لتستمر وتبقى عند سقوط الشهيد الاول لاي معركة خيضت بالتاريخ.
النقاش هنا حصرا يتناول الاحياء الذين هم من يجب ان نكون نقاتل لاجلهم ولاستمرار حياتهم. والا فمن غير المنطق ان نكون نقاتل فقط من اجل ان نستشهد. والانحراف يبدأ حين نحمل شعارا يقول: “كلنا شهداء”. في وقت المطلوب اسلامياً أن نكون “كلنا احياء”.

السابق
حوري: الحوار بين بري والسنيورة مفتوح من دون أن يتأثر بسجال
التالي
مَنْ يحكم لبنان