جنبلاط: مع وضع فرع المعلومات في إمرة الجيش

لا تفارق عبارة «لعبة الامم» رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ازاء ما يجري في سوريا، وما بات يدور في طرابلس ومن حولها. يقول «ان المعادلة اكبر منا. الرئيس ميشال سليمان والرئيس نبيه بري والرئيس تمام سلام حالنا واحدة، ونعمل على الموجة نفسها. جميعنا عاجزون، وليس عندي اي حل. نحن في ظل صراع دول. عشية بدء عهد الرئيس سليمان كان التوتر الداخلي على اشده. أتى القطريون لنا باتفاق الدوحة فأنقذنا. الآن، لاول مرة، نجد انفسنا متروكين».
ذات مرة عام 1976 استخدم العميد ريمون إده عبارة «لعبة الامم» عندما وجد دخول الجيش السوري لبنان يحظى بغطاء عربي ودولي كي يكرّس احتلال هذا البلد. كان قد تعرّف قبل خمس سنوات، عام 1971، إلى مايلز كوبلند مؤلف كتاب «لعبة الأمم» الذي قدّم الى العميد النسخة العربية منه مع إهداء خاص.
عندما استعاد إده الزيارة كان خارجاً لتوه من اجتماعه بالموفد الاميركي دين براون يقنعه بالاستعانة بالجيش السوري كي يصبح رئيسا. قال العميد: «ما يحصل في لبنان اليوم هو لعبة الأمم. هذه هي لعبة الأمم. على الجميع سلوك السكة الحديد المرسومة، ومن يُخطئها أو يحيد عنها عمداً يدفع الثمن». وأضاف لاثنين من محدثيه: «انظرا إلى صاحبنا كمال جنبلاط. كان مع السوريين وصديقاً لهم، ثم اختلف معهم وحاول أن يحيد عن الخط. الله يسترو».
«لعبة الامم» هذه تضع لبنان تحت رحمة تداعيات الحرب السورية، من غير ان يتمكن احد من اخراجه، او في احسن الاحوال، اخراج طرابلس من دائرة نزاعات المنطقة. ادخلت في نظر النائب وليد جنبلاط «نواة وحش» الى لبنان هم التكفيريون. صاروا يعلنون عن انفسهم لبنانيين انتحاريين. يلاحظ هنا: «اذا كان تيار المستقبل يعتقد بأنه يمون على الشيشان وعلى داعش وجبهة النصرة، فليسمح لي. هناك قوى اكبر منا تتصارع على الارض السورية. اسرائيل تتفرج على تدمير سوريا. الغرب غير مهموم بتقاتل السني والشيعي في المنطقة وعندنا، فكيف اذا كان يرسل الينا التكفيريين كي يتخلص منهم عندنا وفي سوريا. اذا ذهب هؤلاء من القلمون الى الجنة من المؤكد ان الغرب سيرتاح منهم. اصبح التكفيريون كآلة تفقيس البيض. فاخر الرئيس اوباما بأنه قتل بن لادن، فاذا 100 بن لادن يطلع كل صباح نتيجة خلل في الفكر الاسلامي».
يضيف الزعيم الدرزي: «لعبة الامم اجهضت الثورة السورية في المطالبة بالتعددية والديموقراطية والحرية. اجهضها بشار الاسد عندما استفحل استعماله الحل الامني، وعندما التقت قوى عربية ودول اقليمية لا اريد ان اسميها من اجل تفريخ هذا الوحش الذي يمثله الشيشان والليبيون واليمنيون والتونسيون وسائر التفكيريين الذين صاروا المدارس الفكرية النيرة. طرابلس اليوم صورة مصغرة عن القلمون وعن اي مدينة سورية كدمشق وحمص وحلب تحت النار. فيها جرح قديم يعود الى عام 1986 عندما طرد الجيش السوري ابو عمار منها وكذلك حركة التوحيد الاسلامي. مذذاك الجرح مفتوح بين جبل محسن وباب التبانة. تحكم طرابلس اليوم مليارات الدولارات لكن من دون مشاريع انمائية وسكنية وتقديمات اجتماعية. هي اليوم صورة مصغرة للصراع بين الاقلية العلوية وان بولاء اعمى للنظام السوري وبين تيار سلفي سميناه الوحش، وهو ما يجعلني اشكك في ان في وسع زعماء طرابلس السيطرة عليه. عدم استجابة علي عيد المثول امام القضاء يزيد الحقد هناك، لان ثمة ضحايا سقطوا في تفجيري المسجدين. كل منهما يريد تصفية حسابات سياسية مرتبطة بالمعركة الكبرى في سوريا».
يقوده ذلك الى تبني اقتراحات رئيس المجلس نبيه بري من ايجاد حل لما يجري في طرابلس: «انا معه في ايجاد سلطة امنية واحدة هي الجيش. اؤيده في طلب تغيير قادة الاجهزة الامنية وعدم الاكتفاء بوضع الامرة العسكرية في الجيش، بل ايضا الامرة الامنية. انا مع ان يتسلم الجيش فرع المعلومات وتصبح امرته بين يديه كمديرية المخابرات. ربما اذا تغير قادة الاجهزة الامنية يعود التنسيق اليها مجددا، وتخرج من لعبة كل منها يعمل لحسابه. قبل سنوات كانت الاجهزة تتسابق في كشف عملاء اسرائيل وشبكاتهم. اليوم لم يعد هناك عملاء لاسرائيل كي تنصرف الاجهزة الى شأن آخر. ليتها تعود تلك الايام».
يدعو الى «هدنة بين جبل محسن وباب التبانة. ليجلسوا معا من اجل المصالحة. اذا كان علي عيد متهما يجلسون مع ابنه رفعت. لكن ينبغي الجلوس معا لأن العلويين لبنانيون ايا يكن انتماؤهم السياسي. انا فعلت ذلك في مصالحة الجبل بعد كل الذي حصل هناك. كان فيه حزب الكتائب والقوات اللبنانية. لا بد من الجلوس مع الخصم ومحاورته. الا ان ما يجري في طرابلس لم يعد مقبولا. يريدون تنظيف الاسواق من العلويين وضرب وجودهم في المدينة، الا اذا كان المقصود ايجاد ذريعة للنظام السوري كي يتدخل بحجة الدفاع عن القرى العلوية في شمال لبنان».
لا يتردد جنبلاط، بكثير من المرارة، في القول ان الظاهر في الحرب السورية «انها لم تعد معركة اصلاح وتطوير وديموقراطية، بل بين فريقين كلاهما يريد الغاء الآخر»، ويلقي على الغرب مسؤولية التحول عن الثورة: «لزّموها الى مَن لا يستحق ان يلزم الثورة. وحده الشعب السوري كان يستحق ثورته».
وطأة النزاع في طرابلس تحمله على الاعتقاد بأن «لا حكومة ولا رئاسة. كل الاستحقاقات مجمدة في الصورة الكبيرة التي هي المنطقة. بداية التسوية حوار ايراني ــ اميركي، يتبعة حوار ايراني ــ عربي. الرئيس بري يسعى الى ذلك، وتحدث في طهران عن ضرورة العودة الى العلاقة الايرانية ــ السعودية. متى امكن التوصل الى ترتيب معين يتيح هدنة في لبنان، يذهب الفريق السني عندئذ الى المشاركة في الحكومة وفي انتخابات الرئاسة واجتماعات مجلس النواب. سوى ذلك سنكون في طريقنا الى الفراغ، وتتسلم حكومة الرئيس ميقاتي عندئذ صلاحيات الرئاسة».
وهل يرى سيناريو كهذا متاحا، يجيب: «كل شيء ممكن. اذا ظلت الحسابات كما كانت في الماضي، سنظل نقع في الخطأ نفسه. فريق راهن على ان النظام سينهي الازمة في سوريا سريعا، وفريق آخر راهن على انه سيسقط سريعاً. الجميع سقط في بحر الحرب السورية. طبعاً أنا أتمنى سقوط النظام، لكن مَن يكون البديل؟ قبلا كانت هناك موجة من الحراك الشعبي مثلها الشعب السوري المنفتح والمتنور، وكان هذا الحراك يوازي حراك المجلس الوطني ثم الائتلاف. الآن نحن معلقون بالهواء».
وماذا عن الرئيس المكلف؟، يقول: «ماذا في امكانه ان يفعل. فريق اساسي لا يشارك في حكومة 9 ـــ 9 ـــ 6، واذا مشينا في الحكومة التي يريدها هذا الفريق لا يشارك الفريق الآخر».
يكرر مطالبته بـ«اعادة تصويب البندقية لدى حزب الله. لكن قراره ايراني. الفريق الآخر جزء من قراره عند السعوديين وجزء آخر عند غير السعوديين. يعني ذلك ان الافرقاء المحليين غير جاهزين كي يجلسوا معا قبل ان يجلس الايراني مع السعودي».

السابق
ورشة تدريبية لحركة السلام الدائم حول تمكين الشباب
التالي
العلاقة مع إيران بين الدعاية والحقيقة