جنيف الإيراني وجنيف السوري!

بدا من الواضح، ان ايران كانت الرابح الرئيس في مفاوضات جنيف الايراني، وبموجب هذا الاتفاق حصلت ايران على تأكيد سيرها في المشروع النووي الى نهايته رغم المرحلية التي ظهرت في الاتفاق، كما حصلت ايران بموجب الاتفاق على وقف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، اضافة الى امر هو الاكثر خطورة مما سبق، وان كان بشكل ضمني هو الاعفاء من تبعات سياستها في الشرق الاوسط، وتجاوزها ما كان المجتمع الدولي، يصفها به وهو رعاية الارهاب.

واذا كانت ايران ربحت بهذا القدر في جنيف الايراني، فان ما رشح عما قدمته ايران للعالم وللدول التي تفاوضت معها كان قليلاً، او هو مستتر اذا اردنا الدقة. اذ لم تظهر تفاصيل ماقدمته ايران مقابل ارباحها، الامر الذي بدا وكان ايران قد حققت انتصاراً كبيراً في جنيف استحق ان تهلل لنتائجه القيادة الايرانية من جهة، وحلفاء ايران من النظام السوري الى روسيا وجميعها اشادت بما تحقق في جنيف الخاص بايران.
ان البديهيات، تؤكد ان مفاوضي طهران في جنيف، ما كان من الممكن ان يعطوا ايران تلك المكاسب دون مقابل. وقلة المقابل أو عدم ظهوره، قد يكون وراء الاشتراطات، التي وضعها مفاوضو طهران من اجل اثبات جدية ايران في التعامل مع الاتفاق، والاهم فيها هو فترة الستة اشهر، والتي كان اساسها الظاهر اثبات حسن سلوكيها وسيرتها في التعامل مع الملف النووي بحيث يظل برنامجها سلمياً، وان يكون البرنامج تحت الرقابة الصارمة، وان لم يسر البرنامج بهذه المواصفات، فان الاتفاق سيكون في مهب الريح، وبالتالي فان المكاسب الايرانية من اتفاق جنيف سوف تأخذ المنحى نفسه، وتعود مسيرة العلاقات الايرانية مع المجتمع الدولي والدول المشاركة في الاتفاق الى التوتر المتصاعد وربما الى الصدام المباشر الذي لاشك انه سيكون عنيفاً.
ورغم ان كثيراً من متابعي الوضع الايراني، رفضوا الربط بين جنيف الايراني ومؤتمر جنيف2 المزمع عقده لمعالجة القضية السورية عبر ايجاد حل سياسي للاخيرة، فلاشك انه هناك رابط خفي بين الاثنين، لان ايران في الاول تمثل الطرف الرئيس، وهي في الثاني طرف رئيس ايضاً، اذ هي تقدم دعماً متعدداً وغير محدود لنظام الاسد في دمشق، وهي قوة موجودة هناك بصورة مباشرة من خلال خبراء بمن فيهم خبراء عسكريين وامنيين، وهناك قوات من الحرس الثوري تقاتل الى جانب قوات النظام ومعها مليشيات تأخذ اوامرها المباشرة من ايران ابرزها قوات حزب الله اللبناني ومليشيات لواء ابو الفضل العباس العراقية، وهؤلاء يشكلون القوة القابضة التي يقاتل النظام بها التشكيلات المسلحة للمعارضة ويقتل السوريين ويدمر بلادهم.
ان حضور ايران ودورها في القضية السورية، يمثل مدخلا للرابط الخفي بين جنيف الايراني الذي عالج الملف النووي، وجنيف2 المناط به معالجة القضية السورية من خلال فتح باب الحل السياسي بعد ان اتجه اليه المجتمع الدولي عازفاً عن السير في خط حل عسكري للوضع لاسباب تتداخل فيها العوامل السياسية والاقتصادية والامنية، وهذا الرابط قد يساهم في تفسير عدد من التحركات الاقليمية والدولية الاخيرة والمتواصلة في العالم ذات الصلة بالموضوع السوري، وبين ابرزها تحديد موعد جديد لمؤتمر جنيف2 بعد ان كانت التقديرات تشير الى تأجيل المؤتمر عدة اشهر وربما الى الابعد، والانفتاح الروسي على الائتلاف الوطني السوري المعارض والذي كانت موسكو تظهر قدراً كبيراً من العداء له، والانفتاح الظاهر لبوابة تواصل تركي ايراني، وقد اصطف كل واحد منهما الى جانب طرف في الصراع الداخلي السوري، واعادت بعض الدول العربية الاكثر دخولاً في الوضع السوري ترتيب اوراقها السورية استعداداً للمرحلة المقبلة.
خلاصة هذه التحركات، تشير الى أن جنيف2 سوف يعقد، وعلى الاقل ان فرصة انعقاده بعد جنيف الايراني، صارت اكبر مما كانت عليه قبله، وهذا هو المتغير الظاهر. اما المتغير الباطن فهو مراهنة على موقف ايران في القضية السورية. فاذا استطاعت ايران ان تعدل وجودها ودورها في القضية السورية لصالح الحل، فان مسار مفاوضات جنيف2، ستكون نتائجها افضل لان وضع نظام الاسد سيكون اضعف في ضوء تخلي ايراني عنه بصورة كلية او جزئية، اما اذا استمرت ايران في دعمها لنظام الاسد، فان جنيف2 سوف يفشل، مما يفتح باب الازمة السورية الى مزيد من التداعيات الداخلية والخارجية، وهو مالا يريد المجتمع الدولي رؤيته بما يترتب على ذلك من نتائج كارثية في المستويات السياسية والامنية والانسانية.
اذن دور ايران وموقفها في القضية السورية سواء حضرت ايران جنيف2 او لم تحضره، سيكون بين العوامل الحاسمة، ليس في الموضوع السوري فقط، وانما فيما يتعلق بجنيف الايراني ايضاً، وسيكون قبول ايران بحل سياسي للوضع السوري عاملاً مساعداً لمضي جنيف الايراني الى نتائجه في مشروع ايراني سلمي للطاقة النووية، اما اذا كان موقف طهران في اتجاه اخر نحو تأكيد وجودها ودورها المحوري في القضية السورية، فسيكون الامر بخلاف ذلك، لان ايران في هذه الحال تكون قد قررت كسب مشروعها النووي من جهة وتكريس امتداد نفوذها الاقليمي في ان معاً، وهو ما سيواجه بردة فعل اقليمية ودولية، لن تعدم الذرائع في العودة الى المربع الاول في الصراع الدولي مع ايران.
ان جنيف السوري يطرح تحدياته على طهران، وعليها ان تختار بين تمرير مشروعها النووي المحدد في جنيف، او العودة الى الصراع مع القوى الاقليمية والدولية بسبب مشروعها النووي وبسبب استراتيجية التمدد الاقليمي في الشرق الاوسط، فيما يراهن خصوم ايران ممن فاوضوها في جنيف على تحولات السياسة الايرانية في الاشهر الستة المقبلة، سيكون الاساس فيها تبدلاً في موقف طهران ودورها في القضية السورية وتفاصيل اقليمية اخرى، وهي التي سستحسم مستقبل جنيف الايراني.

 

السابق
كيف ستُواجه أميركا مَن يَنتقد الإتفاق النووي الإيراني؟
التالي
تحولات تركية