لنفترض أنه انتصار…

لا تقبل جماعة الممانعة بغير وصف ما يجري في سورية بالانتصار الجديد تضمه إلى لائحة انتصاراتها الإلهية والبشرية.
على الأرض، تتراجع قوى الثورة وتظهر كل التعقيدات التي تراكمت طوال عقود في سورية ويستفيد نظام بشار الأسد وأنصاره من سلسلة طويلة من الإخفاقات العسكرية والسياسية التي منيت بها المعارضة في الشهور الماضية ومن عجزها عن حسم الموقف عسكرياً أو تشكيل قيادة سياسية ذات معنى.
يتلقف محور طهران- دمشق هذه الانتكاسات ليعلن نصراً مؤزراً على الثورة السورية ويضفي عليه طابعاً طائفياً مذهبياً مساهماً في طمس الوجه التحرري الذي بدأت الثورة السورية به وضحى ملايين السوريين بأرواحهم وكراماتهم وأموالهم من أجله. النظام، طبعاً، لا يبالي بهذه الوقائع. وجل ما يعنيه هو تحطيم قدرة الثوار السوريين على القتال والانتصار. وهذا ما لن يحدث.
لكن لنسلم جدلاً أن الأسد وأجهزته وأتباعه انتصروا في الحرب السورية. ولنفترض أننا سنستيقظ صباح الغد لنجد قوات «الجيش العربي السوري» وعناصر «حزب الله» و «لواء أبي الفضل العباس» قد سحقوا كل مقاتلي الثورة السورية وبسطوا سلطة النظام على المناطق والمدن التي خسرها في العامين الماضيين. ولنفترض، لاستكمال الصورة، أن العملية السياسية في جنيف أو غيرها، قد أفضت إلى بقاء النظام ورئيسه وبنيته وآليات السيطرة التي شيدها على امتداد أكثر من أربعين عاماً. ماذا سيعني ذلك على الصعيد الواقعي؟ وما هو المشروع الذي يبشر الأسد وأتباعه به بعد الانتصار الافتراضي؟ وما هي الدروس التي استخلصها النظام من الثورة، التي –سنفترض أنه- نجح في القضاء عليها؟
الحق يقال أن ما من شيء يتيح الاستنتاج أن الأسد ورهطه الممانعين تعلموا شيئاً من دروس الثورة. لا من حيث احترام إرادة السوريين ولا من حيث الاعتراف بهم ككائنات بشرية تتطلب الكرامة والحق في الحياة والحرية. وما من شيء يقول إنهم سيتخلون عن التذاكي والتلاعب، اللذين يسميانهما «حكمة» في التعامل مع الداخل والخارج. وما من إشارة واحدة إلى أنهم سيقلعون عن ترهيب الجيران والتدخل في شؤونهم واغتيال مسؤوليهم وتفجير شوارعهم.
الدليل على ما تقدم ماثل للعيان في «الدستور الجديد» والاستفتاء عليه وفي مسرحية رفع حالة الطوارئ والاستمرار في حملات الاعتقال والتصفية والتعذيب المنهجي. وماثل أيضاً في إرسال السيارات المفخخة إلى لبنان والاستخدام الأداتي لأنصاره هناك في شل وتعطيل كل ما من شأنه أن يمثل مساحة للقاء وطني. وماثل كذلك في استسهال التحريض الطائفي واستدراج ردود فعل من الطينة ذاتها وزج مواطنيه في صراع أهلي مذهبي مسدود الأفق.
وليس هناك ما يشير إلى ان النظام سيُدخل حداً أدنى من الإصلاح على الدورة الاقتصادية ليخفف من إمساك قبضة المافيات العائلية- الأمنية بمفاصلها الرئيسة، ولا أنه سيعيد النظر في الممارسات التي انقلبت أزمات جلبها بنفسه على القطاعات الزراعية والصناعية عبر «انفتاحه» الذي تسبب بارتفاع قياسي في مستويات البطالة ومرْكَزة الثروات بين أيدي العائلة و «الأمن» ومن يدور في فلكيهما. وهذا غيض من فيض يمتد إلى التعليم والاستشفاء وحرية التعبير والتنقل وغيرها.
بكلمات ثانية، إن انتصار الأسد المزعوم لن يزيد في أفضل الأحوال عن إعادة إنتاج الشروط الموضوعية التي أفرزت الثورة. وهذا طبعاً ما لا تهتم به أصوات الممانعة المبتهجة «بالانتصارات التاريخية».

السابق
قطار يدهس 6 فيلة شرقي الهند
التالي
رواية الوطن السعودية لخطة حزب الله في القلمون