إسقاط حماس.. من يريد.. من يستطيع؟

بدا الجيش المصري حربه ضد الجماعات السلفية الجهادية في سيناء في آب 2012 إثر المجزرة التي تعرض لها جنوده الصائمين في رمضان قبل الماضي دون أن يضع أي أجندات سياسية تجاه حماس أو قطاع  غزة، غير أنه فهم أن من المستحيل تحقيق الانتصار أو إضعاف تلك الجماعات دون قطع صلتهم الفكرية واللوجستية مع نظرائهم في القطاع، وأعتقد أن الانفاق تمثل قناة التواصل بين الجانبين، وأن هدمها كفيل ليس فقط بإغلاق تلك القناة، وإنما بوقف تسونامي السلاح المتدفق على شبه الجزيرة من الحدود الجنوبية الشاسعة والمترامية الأطراف لمصر، والتي يصعب السيطرة عليها؛ بينما إغلاق الأنفاق سيجعل من هذا التدفق عديم الجدوى اقتصادياً وأمنياً أيضاً.

لا بد من الإشارة إلى أن هذا العمل بدا زمن الرئيس محمد مرسي، وإن بوتيرة ليست عالية غير أن الوتيرة تسارعت بعد عزله  لتحقيق النصر بغض النظر عن أي تكلفة سياسية اقتصادية أو أمنية محلية أو إقليمية، لذلك تم هدم أكثر من تسعين بالمائة من الأنفاق الواصلة بين سيناء وغزة دون التمييز بين المدني والعسكري، أو تلك المخصصة لنقل البضائع ومثيلاتها المخصصة لتنقل المقاتلين والمواطنين. وجاءت النتيجة كارثية بكل المقايس على حماس بشكل خاص، وغزة بشكل عام، حيث فقدت الحركة الإسلامية ثلثي موازنتها السنوية تقريباً والبالغة  نحو 700 مليون دولار، بينما انضم العاملين في الأنفاق والقطاعات المرتبطة بها، مثل قطاع البناء والبالغ عددهم نحو 70000 عامل إلى طابور العاطلين الطويل أصلاً، ما ضاعف معدلات الفقر والبطالة وفاقم الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية المتردية أصلاً.

شجع مأزق حماس السياسي الاقتصادي والاجتماعي أطراف فلسطينية وإقليمية على التفكير في إسقاطها، ضمن مخطط عام يهدف إلى إسقاط الإخوان المسلمين وإضعاف حركات الإسلامي السياسي، وحتى إقصائها عن المشهد السياسي العربي، وفي هذا الصدد كثر الحديث عن إعطاء دور رئيسي للقيادي الفتحاوي السابق محمد دحلان، الذي ما زال يتمتع بنفوذ وثقل واضحين في الوسط الفتحاوي الغزاوي، وهنا يمكن الإشارة إلى ما نشرته صحيفة الحياة – الأحد 6 أكتوبر- عن عودة التواصل والتنسيق بين دحلان والأجهزة الأمنية المصرية في أمور وملفات عدة تتعلق بغزة والحرب ضد الجهاديين في سيناء،  التي نقلت أيضاً عن مصادر مقربة من دحلان قولها أنه لا يكاد يمر شهر دون أن تعرض شخصيات سياسية عربية نافذة وساطتها من أجل إجراء المصالحة بين الرئيس عباس ودحلان كون الأخير وحده  قادر على مواجهة حماس  وهزيمتها.

سواء كان هذا المخطط حقيقي أو سياسي إعلامي لتحويله إلى مخطط واقعي وجدي فهو لم يلق حماس من الأطراف الرئيسية الثلاث القادرة نظرياً على تمريره وإنجاحه، وهي مصر المستنزفة في حربها بل حروبها الداخلية والسلطة الفلسطينية المنخرطة في المفاوضات وتفاصيلها، ومآلاتها والرافضة للمصالحة مع دحلان حتى بثمن استعادة غزة، غير أن الرفض غير المتوقع ربما – لغير المتابعين – جاء من إسرائيل التي عبرت صراحة وبشكل رسمي عن رفضها تغيير الوضع القائم حالياً، خاصة بعد التهدئة  غير المسبوقة السائدة منذ عام تقريباً.

بتفصيل أكثر يمكن القول، أن مصر لم تضع أجندة سياسية فلسطينية لحربها في سيناء، وهي لا تفكر في  شن حرب ضد حماس أو المشاركة في مخطط إقليمي لإسقاطها ليس فقط لأن هذا المخطط محفوف بالمخاطر، وقد يسيل دماء كثيرة بين الشعبين المصري والفلسطيني، وإنما لأنها منشغلة بقضايا وملفاتها الداخلية الصعبة الشائكة والملحة ولا تريد استنزاف جهودها في حرب زائدة لا جدوى منها، وهي اكتفت بإغلاق الأنفاق مع ربط شريان غزة إلى ما يشبه أو المحلول الغذائي – السيروم – كي لا تنفجر الأوضاع فيها، مع استعادة الخطاب السياسي من زمن نظام الرئيس حسني مبارك والقائل بضرورة المصالحة الفلسطينية، وتولى السلطة الفلسطينية الشرعية – من وجهة نظرها – أي الرئيس محمود عباس والأجهزة الخاضعة لإمرته الإشراف على معبر رفح والحدود بشكل عام، وحتى ذلك الوقت سيكون إغلاق المعبر هو القاعدة وليس الاستثناء، على أن يفتح بشكل متقطع للمرضى والطلاب وعند الحالات الطارئة.

أما السلطة الفلسطينية في رام الله، فهي لا تنف رغبتها في الاستفادة من المتغيرات الإقليمية لإجبار حماس على القبول بشروطها من أجل إنهاء الانقسام واختزالها المصالحة بالانتخابات للمجلس التشريعي ورئاسة السلطة فقط، مع تجاهل البعد المجتمعي وتكريس الحريات، ناهيك عن ملف منظمة التحرير والشراكة في إلى حين إصلاحها بشكل جدي وديمرقراطي، غير أن هذا لا يصل إلى حد العودة إلى غزة على ظهور الدبابات المصرية غير أنها مع ذلك لا تبدو مستعجلة لاستعادة غزة أقله إلى حين اتضاح آفاق ومآلات المفاوصات الجارية الآن مع الحكومة الإسرائلية، والخطوة أو الخطوات التالية في حالتي الفشل أو النجاح، وفى كل الأحوال فالرئيس عباس وقيادة فتح الحالية لا يفكرون أبداً في المصالحة مع  دحلان بأي شكل من الأشكال حتى لو كان بغرض عودة غزة مرة أخرى إلى الشرعية – حسب تعبيرهم – وهو ما تبدي في قرار فصل القائد الفتحاوي اللينو – فى لبنان – ومسؤولين آخرين فقط لأنهم تجرأوا على فتح قنوات اتصال مع القائد الفتحاوي المغضوب عليه إلى أجل غير مسمى.

أما فيما يخص الموقف الإسرائيلي الذي هو مفاجئاً للبعض، فقد جاء عبر تصريح لافت للجنرال سامي ترجمان قائد الجبهة الجنوبية لجيش الاحتلال في لقاء مع القناة الثانية العبرية – الخميس 26 أيلول سبتمبر- الذي عبّر بشكل صريح وواضح عن الموقف المعروف ضمناً في السنوات السابقة، حيث أشار ترجمان إلى قيام تل أبيب بإيصال رسائل للجانب المصري من أجل تخفيف إجراءاته الصارمة على الحدود كى لا تنفجر غزة مرة في وجهها، مشدداً كذلك على رفض فكرة إسقاط حماس – التي لم تتحول إلى حليفة أو صديقة للدولة العبرية – ولكن لكونها القوة الوحيدة القادرة على ضبط الأمور والحفاظ على التهدئة المصانة بشكل مثالي تقريباً منذ عام تقريباً، ومؤكداً من جهة أخرى أنه لا يرى قوة فلسطينية أخرى  قادرة على حفظ النظام والهدوء في غزة ومنع ذهاب الأمور فيها إلى الفوضى أو الفلتان.

الجنرال الإسرائيلي لم يشر طبعاً إلى الهدف الإسرائيلي الاستراتيجي المتمثل في الحفاظ على الانقسام والفصل التام بين غزة والضفة الغربية، وتكريس أمر واقع يدفع باتجاه الحل الإقليمي التاريخي لليمن  ويمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة ضمن حدود حزيران يونيو 1967.

 تل ابيب لم تكتف بالتعبير نظريا عن موقفها ، وانما انتقلت الى الجانب العملى ،عبر زيادة كميات البضائع الاسرائيلية ،التى يتم ادخالها الى غزة مع ادخال مواد البناء من اسمنت وحديد وخلافه لمشاريع القطاع الخاص، لاول مرة منذ حزيران يونيو 2007 ،وهى ستفعل  حسب تسريبات صحفية، كل ما بوسعها لعدم وصول الاوضاع فى القطاع، الى حافة الانهيار ضمن سياستها التقليدية الباردة والقاسية، حيث لا يجب ان تموت غزة، ولكن فى المقابل لا يجب ان تتعافى، و تمارس حياتها بشكل طبيعى واعتيادى، فى المستويات والابعاد المعيشية والحياتية المختلفة .

في السياق تلقت حماس دعم سياسي وإعلامي، وحتى اقتصادي متوقع من الدوحة وأنقرة، لكن الدعم المفاجىء جاء من طهران التي اضطرت إلى تجرّع موقف حماس من الثورة السورية والقبول بالتلطيفات اللغوية والشكلية، واستئناف ضخ المساعدات إلى الحركة الإسلامية ولو بشكل جزئي، وذلك ضمن سعيها  للحفاظ على مصالحها ونفوذها في المنطقة، والاقتناع التام باستحالة تحقيق ذلك في ظل القطيعة أو الابتعاد عن القضية الفلسطينية، خاصة في ظل عدم توفر طرف فلسطيني قوي وقادر على تعويض حماس ولعب  دور مركزي ومهم على الساحة المحلية وحتى الإقليمية.

في الأخير وباختصار، وحتى لو تقاطعت رغبات ومصالح الأطراف الرئيسية الثلاث، فإن إسقاط حماس أمر غير مفروغ منه ودونه عقبات وأثمان باهظة معنوية سياسية عسكرية وأمنية، وفي الحقيقة فإن الشعب الفلسطيني وحده القادر على إبعاد حماس عن السلطة، ولكن ليس ضمن مخطط إقصائي إقليمي أو غير إقليمي، وإنما ضمن حالة تمرد وطنية شاملة في الضفة قبل غزة لفرض إنهاء الانقسام وتشكيل حكومة وحدة من شخصيات وطنية مستقلة تهيىء البيئة المناسبة لإجراء انتخابات حرّة شفافة ونزيهة، وتضع الأسس المتينة لإعادة بناء وطنية وديمقراطية لمنظمة التحرير وللأسف، فإن هذا غير متاح أقله في المدى المنظور ما يعني استمرار الوضع الراهن أيضاً إلى أجل غير مسمى.

السابق
انقراض النحل هل يتبعه انقراض البشر
التالي
الحوت: حزب الله يقوم بنصرة نظام ظالم ومجرم في وجه شعب مظلوم