وعد حزبٌ جديد أم حزبٌ قديم؟

عام 1982 خاض الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد معركته الحاسمة مع “الاخوان المسلمين” الذين كانوا في حينه الجماعة الاسلامية شبه الوحيدة في سوريا، والذين شكّلوا بتنظيمهم الجيد وبانضباطهم وبتعبئتهم الأيديولوجية وبنشاطهم الدعوي والسياسي في آن واحد التهديد الداخلي الأول لنظامه. وقد صار لاحقاً التهديد الأكبر، بعدما استغل أعداؤه في المنطقة، المواجهة الدموية بينهما لتصفية حسابات معقّدة كانت عناوينها قومية وعربية ووحدوية واستنهاضية ضد الإمبريالية والصهيونية، في حين كانت خلفياتها مذهبية وحزبية ضيّقة. طبعاً ربح الأسد الأب حربه المشار إليها، فضرب “الإخوان” من دون رحمة، وحظَّر وجودهم رسمياً وشتّتهم في العالم. وكانت أوروبا الغربية ودول خليجية عدة الملاذ الأساسي لهم.

 

اليوم، وبعد نحو 31 سنة على غيابهم تنظيمياً ونشاطاً، عاد “الاخوان المسلمون” إلى الساحة السياسية في سوريا باسم “وعد” على ما نشرت وسائل الإعلام أخيراً. وما كان ذلك ممكناً لو لم تندلع الثورة الشعبية ضد نظام الأسد في آذار 2011، ولو لم تتحول ثورة مسلحة جرّاء القمع الشديد لها، ولو لم تتخذ طابع الحرب الأهلية – المذهبية لاحقاً، ولو لم يفقد النظام سيطرته على قسم من الجغرافيا السورية. وهي سيطرة يحاول استعادتها اليوم. علماً ان قياديين “اخوانيين” كباراً كانوا أكدوا أكثر من مرة بعد نشوب الثورة انهم غير موجودين كحزب أو كجماعة في سوريا. لكن فكرهم السياسي موجود وقد يكون الأوسع انتشاراً وتأثيراً، وخصوصاً بعد انطلاق الإسلاموية السنية قبل “الربيع العربي” وبعده. وهو انطلاق ساهمت فيه على نحو أساسي الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ قيامها، وكل الجماعات التي أسستها، وأشرفت على نشاطاتها السياسية والعسكرية بل الجهادية واعتبرتها حزءاً منها.

كيف حصل ذلك؟

متابعو أخبار “الإخوان” في أماكن بل في دول انتشارهم لا يخوضون في التفاصيل، ويكتفون بالإشارة إلى أن فكرة تأسيس حزب للسوريين منهم داخل بلادهم اختمرت قبل نحو ستة أشهر، وبدأ العمل لتنفيذها، وقد حصل ذلك قبل وقت قصير. ويقولون ان المنتمين إلى الحزب مواطنون من حماه وريفها ومن حلب وريفها ومن مناطق سورية أخرى. كما فيها منتسبون من دمشق وريفها، لكن عددهم لا يزال غير كبير. ويؤكدون أن الحزب سيقصر نشاطه على السياسة والدعوة. ولن ينزلق إلى العمل العسكري. وهذا موقف اتخذه “إخوان” سوريا بعد الذي تعرضوا له عام 1982 رغم انهم لم يكونوا الجهة التي حملت السلاح ضد النظام ورأسه حافظ الأسد، بل كانت “الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين” المنفصلة عن “الجماعة” والتي رفضت نصائح “الإخوان” بعدم اللجوء إلى هذا الأسلوب. كما اتخذ الموقف نفسه على ما يقول “إخوانيون” كبار “إخوان” مصر بعد “التنظيم الخاص” الذي أنشأوه في الخمسينات، والذي استهدف ثورة 1952 وزعيمها الراحل جمال عبد الناصر.

طبعاً، قد لا يكون هذا الأمر سهل التطبيق وعملياً في ظل حرب شرسة تشمل الأراضي السورية كلها، وفي ظل التنوّع داخل الحزب بين متشددين كانت مدينة حماة موطنهم دائماً، وآخرين معتدلين كانت حلب موطنهم. كما انه قد لا يكون سهل التطبيق أيضاً بسبب تحالفات الإخوان مع الجماعات الثائرة المقاتلة ضد قوات الأسد. فالإخوان نسّقوا ولا يزالون مع “جبهة النصرة” وأصدروا بيان تأييد لها بعد إدراج أميركا لها على لائحة الإرهاب. علماً أن هذا الأمر قد يعقِّد أمورهم كثيراً وخصوصاً بعدما اعترف زعيم “القاعدة” أيمن الظواهري قبل أيام أن “النصرة” هي التي تمثل “القاعدة” في سوريا.

في أي حال لا يمكن الحكم على الحزب الجديد – القديم الآن، ولا بد من انتظار نشاطه خلال الاشهر المقبلة ومواقفه، لكن المعلومات المتوافرة عند قياداته كما عند “إخوانهم” العرب عن تطوّر الأوضاع في سوريا، لا تطمئن كثيراً. فلا حل في الافق للحرب فيها. ولا انتصار للنظام ولا للثوار. وهي ستدخل مرحلة تفتيت فيسيطر كل فريق مذهبي أو إثني أو إسلاموي على المنطقة التي كسبها بالحرب أو حافظ عليها بالحرب (علويون، أكراد، وعشائر، ونصرة، وداعش…) وستخرج تركيا من الساحة السورية (دعم عسكري) إلا إذا حاول النظام العودة إلى حلب وريفها. عند ذاك ستتدخل ضده بكل الوسائل. وسيولي الاردن ومن ورائه السعودية الاهتمام الجدي للمناطق السورية الجنوبية.

السابق
أهل البلد من المقيمين
التالي
عقارب ساعة المرشد