قضايا الأطفال في الإعلام: مشكلة مضامين ومؤهلات مهنية

«هل أنت مطلع على اتفاقية حقوق الطفل؟». سؤال يطرحه الباحث على مجموعة من الإعلاميين الذين يتناولون قضايا الأطفال وحقوقهم. تراوح الإجابات بين التأكيد والنفي، ولكن قلة من هؤلاء الإعلاميين والصحافيين يعرفون مضمون الاتفاقية وعمقها ومعايير تمتع الأطفال بحقوقهم، وأولويات هذه الحقوق. فالمقاربة الإعلامية عادة، ووفق الدراسات التي وثقتها على مدى نحو عشرين عاماً مضت، تتعمد الإثارة وتنحو إلى نمطية معينة في تناول قضايا الأطفال في الدول العربية. وتتمحور معظم المواضيع، سواء في وسائل الإعلام المرئية أم المسموعة والمكتوبة، حول أطفال ضحايا المجاعة والاعتداءات والصغار الشركاء في الجرائم وأطفال الشوارع.

وبرزت قصص الأطفال – الضحايا في المحاور الأربعة الأكثر تناولاً، في ما يهمل الإعلاميون حقوقاً أساسية، ومنها الحق في اللعب والترفيه والمشاركة وغيرها من الحقوق.
فتح إطلاق «المجلس العربي للطفولة والتنمية» بالتعاون مع «جامعة الدول العربية» دراسة «واقع الأداء الإعلامي العربي في مجال حقوق الطفل»، في بيروت أمس، النقاش في شأن أولويات العمل ومضمونه وأهدافه. فهل نحن بحاجة إلى مزيد من الدراسات، طالما أن عمل ربع قرن حتى الآن تركز عليها بالدرجة الأولى، أم أن الفعل يجب أن ينطلق من الإعلاميين والصحافيين ومعهم وسائل الإعلام المختلفة نفسها؟ إلى أي مدى تتضمن المناهج الجامعية في كليات الإعلام والعلوم الإنسانية، التي يأتي منها معظم الصحافيين، مواد تمكن الصحافيين في شأن حقوق الأطفال وغيرهم من الفئات المهمشة؟ ما مدى العمل الجدي الذي تبذله المنظمات غير الحكومية على مستوى كل دولة عربية وعلى المستوى العربي العام في تأهيل الصحافيين، وتزويدهم بالمهارات الأساسية التي تساهم في إنتاج كمي ونوعي في شأن قضايا الطفولة وحقوقها؟ ولكن مساءلة الجامعات عن الإعداد الأكاديمي والمجتمع المدني في شأن التأهيل والتزويد بالأليات المساعدة، لا يعفي دور وسائل الإعلام وتوجهها نحو تعزيز قدرات إعلامييها وتطويرهم. في المقابل، لا يمكن للصحافي أن يمضي مسيرته المهنية منتظراً الآخرين من دون السعي الشخصي لتمكين نفسه وتطوير كفاءته ومعلوماته وتحسين أدائه، وكأنه آلة متلقية تعمل برد الفعل ولا تختلق الفعل نفسه.
ولكن النقاش لم يضع بوصلة نتائج الدراسة التي عرضها الباحث الرئيسي فيها الدكتور عادل عبد الغفار (من «جامعة القاهرة»). فقد بيّن رصد الدراسات «قدرة محدودة للإعلام العربي على نشر ودعم حقوق الأطفال، وهناك مضامين إعلامية تنتهك الحقوق وتشجع على العنف، وتنشر قيماَ سلبية غريبة عن المجتمع. ولكن لم تتم مناقشة هذه القيم وما إذا كانت من المسلمات أو أنها موضع نقاش في المجتمعات العربية التي تختلف عن بعضها البعض عامة.
ولحظ عبد الغفار ضعف دور الإعلام في تنشيط ابتكار الأطفال لحساب مضامين استيراد، وتأثير الإعلانات على سلوكهم (تصرفاً ولغة)، واقتصار إشراك الطفل في البرامج على أنماط محددة للتعبير وعدم ترك الطفل على عفويته، وعرض قضايا الأطفال ذوي الحالات الاجتماعية الصعبة من دون تقديم الحلول لعلاجها، وإهمال قضايا الأطفال من ذوي الإعاقة.
وبالرغم من أن الدول العربية، باستثناء الصومال، وقعت اتفاقية حقوق الطفل، إلا أنه، وفق عبد الغفار، «ما زال هناك قصور في تطبيق المواد القانونية للاتفاقية ومبادئ مواثيق الشرف التي التزمت بها الدول».
أما عندما تشرك وسائل الإعلام الأطفال، يأتي هذ مهمشاً ويقتصر على فئة خاصة من الأطفال الذين غالباً ما يكونون أقارب لمؤثرين في القرار أو أبناء عائلات لديها علاقات واسعة. وتراعي معايير انتقائهم الجمال والتألق الدراسي، ما يؤثر سلبياً على بقية الأطفال وشعورهم بالغبن.
وذكرت الدراسة نقد «الاتحاد الدولي للصحافيين» وصف الأطفال الضحايا وكأنهم عاجزون وغير قادرين على التصرف والتفكير مما يفقدهم شخصيتهم الفردية والإنسانية. ولدى التطرق لمضامين المساحات المخصصة للأطفال، نجد أن معظمها يهتم بالشق الخبري بعيداً من التحليل والمتابعة والطرح المعمق. وسجلت إحدى الدراسات العربية أن نحو 89 في المئة من الأطفال ما بين 9 و18 سنة غير راضين عن صورتهم في البرامج التلفزيونية.
ويمكن وصف اهتمام الإعلام بقضايا الأطفال بـ«الضعيف»، إذ لم يتطرق نحو 67 في المئة من البرامج لقضاياهم، مع ضعف المساحة الزمنية حتى عندما يتم التطرق للأطفال.
وركزت الصحف التي تناولتها الدراسة أجندتها على حقوق الأطفال في التعليم والحماية والبقاء والصحة وفي الرعاية الأسرية. وغالباً ما تسائل الصحف الحكومات في القضايا التي تطرحها، تليها المجالس القومية المعنية بالأطفال ثم المدرسون والأسرة ومن بعدها منظمات المجتمع المدني.
وتسجل الدراسة للصحف المشمولة بالعينة توازناً في أهداف معالجة حقوق الطفل، موثقة للاستعانة بالذكور أكثر من الإناث كمصادر لمعالجة هذه القضايا، وارتفاع نسبة ورود السلطة التنفيذية، مع الاعتماد بالدرجة الأولى على الأحداث لطرح المواضيع.
وتنزه الدراسة نوعاً ما الصحف المكتوبة عن الوقوع في تجاوزات مهنية ملحوظة بالنسبة إلى الطفل.
وخلال رصدها العوامل المؤثرة على الأداء المهني في مجال إعلام الطفل، سجلت الدراسة ارتفاع نسبة الاهتمام الشخصي للمعنيين بحقوق الطفل، واعتماد الإنترنت كأحد المصادر للعمل على المواضيع، مع منح الأولوية في طرح القضايا للتلفزيون نظراً لتأثيرة الكبير على الجمهور.
وسجلت الدراسة التراجع الواضح في اهتمام المجتمع بحقوق الطفل وتهميش قضاياه، وضعف إشراك الأطفال في إعداد البرامج التي تخصهم وتستهدفهم وتنميط هذا الإشراك واقتصاره على النابغين والمميزين من بينهم.
ويعاني الإعلاميون من عدم وجود سياسة إعلامية واضحة لدى مؤسساتهم تجاه الأطفال وقضاياهم، وانخفاض نسبة الذين يستفيدون من التدريب والتأهيل المهني، واقتصار تقييم المؤسسات لإعلامييها على أدائهم المهني بداخلها.
وركزت مقترحات القائمين بالاتصال لتطوير أداء الإعلاميين على ضرورة تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية لتطوير مهاراتهم شرط أن تؤخذ حاجاتهم، وضرورة وضع سياسة تحريرية تحدد كيفية تناول القضايا المطروحة.
واقترح عبد الغفار وفريق عمل الدراسة سلسلة من التوصيات التي تطور معالجة الإعلام لقضايا الأطفال في الدول العربية على صعيد المادة الصحافية المكتوبة حول حقوق الطفل العربي وفي المعالجة التلفزيونية والإذاعية المبتغاة، وترشيد معالجة قضايا الأطفال بما يخدم المصلحة الفضلى للطفل.
السابق
إسرائيل تتهم منظمات فلسطينية باللاسامية
التالي
ماذا وراء تصعيد «حزب الله» المفاجئ؟