السفير : “جنيف 2 لن يعقد إذا رفضته المعارضة السورية

كتبت “السفير ” تقول:  في مثل هذه الأيام قبل 24 عاماً، كان الأخضر الإبراهيمي مزهواً باتفاق الطائف، ويصول بين عاصمة وأخرى سعياً لتثبيت الإصلاحات الدستورية وانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية.
بالأمس، وجد الإبراهيمي رؤساء يزورهم، وأولهم رئيس جمهورية يعد أسابيعه وشهوره الأخيرة. وجد رئيساً ولم يجد جمهورية. استشعر فراغاً آتياً قد يعيد إنتاج تجربة ما قبل اتفاق الطائف. نعم، لا مرشح للرئاسة الأولى يمكن أن يتوافق عليه اللبنانيون، لا اليوم، ولا في مهلة الستين يوماً التي تسبق تاريخ انتهاء الولاية في الخامس والعشرين من أيار العام 2014.
وجد الإبراهيمي رئيس مجلس نيابي بلا مجلس نيابي، برغم التمديد الذي كرّس بطالة نواب الأمة على حساب المكلف اللبناني. وجد الموفد الدولي الحامل على كتفيه ملف أزمة سوريا رئيس حكومة تصريف أعمال يداوم منذ سبعة شهور في السرايا… ولا حكومة من حوله. وجد رئيساً مكلفاً اسمه تمام سلام قد ملّ الانتظار، فقرر أن يمضي إجازة طويلة في جنيف.
باختصار، وجد الإبراهيمي في لبنان كل شيء إلا “الجمهورية الثانية” التي اعتقد أنه كان عرّابها وسيجد اللبنانيون في ظلها ما ينشدونه من إصلاح وإنماء وتغيير نحو الأفضل.

وجد الإبراهيمي “جمهورية موز”.
وجد لبنان ما قبل الطائف بعقود وربما بقرون. لبنان الذي صار عاجزاً عن إدارة ذاته، لشدة اتكاله على الخارج، فلمّا ولّى الخارج وصارت له فرصته الحقيقية للاستقلال، أعلن استسلامه للعجز والفراغ.
وجد الإبراهيمي مجلساً نيابياً يبحث عن قانون نيابي من زمن العصور الوسطى وحكومة تنقب عن قشور صلاحيات وتشريعات وضعت أصلا لخدمة الناس فصارت وظيفتها مقلوبة.
وجد الإبراهيمي في لبنان كثرة من السياسيين ولا سياسة. تخمة في أهل الأمن ولا أمن راسخاً. تخمة في الاقتصاديين ولا اقتصاد حقيقياً يحمي لبنان وشعبه.
باختصار، وجد الإبراهيمي في لبنان كل شيء إلا الجمهورية المشتهاة.
برغم تلك الصورة، لم يجد الديبلوماسي العربي العتيق إلا أن يتمنى وينصح… أصلاً عندما سئل هذا الخبير عن صورة لبنان في الأسابيع الأولى للأزمة السورية، كان جوابه أن الصورة قاتمة جداً.
من هذه الزاوية، قال للبنانيين، بحكم علاقتهم التاريخية بسوريا، “أنتم أصحاب مصلحة، مثل السوريين أنفسهم، بالتسوية السياسية السلمية للأزمة السورية في أسرع وقت ممكن، لأن لا شيء يحمي لبنان أكثر من إخماد بركان الدم والموت والدمار المستمر في سوريا منذ حوالي ثلاث سنوات والذي بات يهدد المنطقة بأسرها”.
تمنى الإبراهيمي لرئيس الجمهورية رحلة موفقة الى السعودية التي أقفلت أبوابها في وجه المبعوث الأممي الى سوريا، وأن يجد فيها ضالته عندما تحدد له المملكة موعداً رسمياً للزيارة السليمانية المؤجلة منذ شهر تقريباً.. والآتية، على الأرجح، في غير أوانها.
لا
شيء كان خارج المألوف في المحطة اللبنانية للمبعوث الأممي، باستثناء تأكيد المؤكد، فمصير “جنيف 2” سيتقرر من قبل الأمين العام للأمم المتحدة في الأسبوع المقبل.
وفيما ثمن الإبراهيمي، في لقاءاته مع الرؤساء الثلاثة ووزير الخارجية عدنان منصور، موقف لبنان من الأزمة السورية، تلقى من الجانب اللبناني تأييداً لفكرة عقد المؤتمر، ورغبة في مشاركة لبنان فيه اذا ما وُجهت الدعوة إليه، “فلبنان الذي جهد في تطبيق سياسة النأي بالنفس عن الازمة السورية بتداعياتها السلبية، ليس بوارد أن ينأى بنفسه عن الحل السياسي السلمي للأزمة السورية بعيداً عن العنف وأي تدخل عسكري خارجي، وهو معني أيضاً بالحفاظ بقوة على وحدة الأراضي السورية”، بحسب ما تبلغ الإبراهيمي من رئيس الجمهورية.
وقالت مصادر واسعة الاطلاع لـ”السفير” إن الإبراهيمي وضع المسؤولين اللبنانيين في أجواء اللقاءات التي عقدها خلال جولته الحالية وما سمعه من القيادة السورية ينحو باتجاه الإيجابية، وأشارت الى أن الموفد الدولي “بات الآن في مرحلة تقييم وليس في مرحلة توجيه دعوات الى جنيف2”. وأشارت الى أن الإبراهيمي استعرض أمام المسؤولين اللبنانين موقف قوى المعارضة السورية من انعقاد المؤتمر، طارحاً أمامهم فكرة ان تتمثل المعارضة السورية بثلاثة وفود، فاقترح احد المسؤولين على الإبراهيمي التركيز على تأليف وفد موحد للمعارضة السورية، “لأنّ تعدد الوفود سيرفع منسوب المزايدات وبالتالي التطرف والتصعيد في الخطاب والممارسات”.
وفي اللقاء مع الرئيس نبيه بري، لمس الإبراهيمي رغبة واضحة بحضور “جنيف 2 ” وفرصة لإطفاء نار الأزمة في سوريا. وأشاد الموفد الأممي بتجاوب النظام السوري مع مبدأ عقد المؤتمر، مشيراً إلى أنه سمع من المسؤوليين السوريين استعدادهم للمشاركة في المؤتمر والالتزام بقرارات الأمم المتحدة.
وقال الإبراهيمي، بحسب ما نقل عنه في اللقاء مع بري، إن عقدة انعقاد المؤتمر ليست مع النظام السوري بل مع المعارضة لأنها غير موحدة، مجدداً دعوته للمعارضة من أجل تشكيل وفد مقنع، وكاشفاً عن ان هناك دولاً من خارج المنطقة ستشارك في “جنيف 2 ” مثل أندونيسيا والهند والبرازيل.
وقال الإبراهيمي، بعد اللقاء مع الرئيس نجيب ميقاتي، إن “لبنان برؤسائه الثلاثة، يؤيد فكرة عقد مؤتمر جنيف 2، والرؤساء يحبذون توجيه الدعوة إليه، وعندما توجه الدعوة اليهم سيقررون ما إذا كانوا سيحضرون، وأعتقد أنهم ميالون إلى الحضور”.
وقال وزير الخارجية عدنان منصور لـ”السفير” إنه أبلغ الإبراهيمي أن لبنان يقف مع الحلّ السياسي في سوريا وهو مع استقرارها وسلامها وأمنها”.
أضاف منصور، الذي سيسافر غداً الى القاهرة لحضور اجتماع وزراء الخارجية العرب في جامعة الدول العربية، “لقد أبلغنا الموفد الأممي أن لبنان سيحضر المؤتمر عندما يُدعى اليه، لأنه ضرورة وطنية وأمنية وسياسية واجتماعية وإنسانية، نظراً الى تداعيات الحوادث في سوريا على الوضع اللبناني الخطر، والذي علينا مواجهته ونقل الصورة كما هي للمؤتمر، ودعم هذا المؤتمر من أجل الحلّ السياسي العاجل لأنه سيكون مريحاً للبنان ولكل المنطقة ولاستقرار سوريا وأمنها”.
وكان الإبراهيمي قد عقد مؤتمراً صحافياً في دمشق، قبل انتقاله الى بيروت، ظهر أمس، وقال إن مؤتمر “جنيف 2” لن يعقد في حال رفضت المعارضة المشاركة فيه. وأضاف “حضور المعارضة أساسي، ضروري، مهم”، مشيراً إلى أن “كل الذاهبين لحضوره سيأتون فقط من اجل مساعدة السوريين على الاتفاق في ما بينهم ومعالجة قضاياهم”.
وتابع الإبراهيمي، أن المؤتمر المزمع عقده، مبدئياً، في 23 تشرين الثاني الحالي ستدعى إليه “دول ومنظمات إقليمية ودولية، والأطراف السورية”. وأشار إلى أن “الحكومة السورية أكدت قبولها المشاركة في المؤتمر، في حين أن المعارضة، سواء كان الائتلاف (الوطني) أو الأطياف الأخرى من المعارضة (في الداخل)، لا يزالون يبحثون عن وسيلة تمثيلهم في مؤتمر جنيف”.

السابق
النهار: الانسداد في الأزمة الحكومية الى ذروته مع اخفاق كل الطروحات
التالي
الديار: وزير الخارجية يشارك في جنيف خارج اطار بيان بعبدا