أي مساعدة يحتاجها السوريون؟

آخر كلام في موضوع المساعدات للسوريين، يتعلق بسعي المرجع الشيعي الأعلى في العراق السيد السيستاني الى تقديم مساعدات للاجئين السوريين في كردستان العراق، حيث كلف كبير وكلائه الذهاب الى هناك والبدء “بحملة توزيع مساعدات إنسانية على اللاجئين”، وهو تحرك يعكس عدم رضى المرجع الديني عن أداء الحكومة العراقية ووزارة المهجرين في هذا المجال.
ويفتح الخبر بوابة الحديث عن المساعدات الإنسانية، التي يقدمها العالم بدوله وهيئاته للسوريين، وهي مساعدات محدودة وغير كافية باعتراف القائمين عليها والمتصلين بها من منظمات ودول وقادة وشخصيات ذات صلة، أبرزهم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي أكد مرات كثيرة ضعف حجم وفاعلية هذه المساعدات في ضوء حاجة السوريين للمساعدة، بل إن هذه المساعدات تتناقص كما أكد آخرون في ضوء حقيقة، أن ذوي الحاجة من السوريين يتزايدون بصورة كبيرة نتيجة استمرار سياسة القتل والتدمير والتهجير التي يتابعها النظام وسط سكوت وغض بصر دولي مريبين.
والتدقيق في موضوع المساعدات من حيث الأطراف التي تقدمها وحجمها، يجعل من البسيط التمييز بين نوعين منها، نوع أول وهو الأكبر حجماً وفاعلية، تقدمه دول وهيئات ومؤسسات في إطار مساهمة لعلاج مشكلة إنسانية تواجه السوريين، والأهداف السياسية مضمرة أو هي محدودة إن وجدت، وغالبها أساسه مساعدة الشعب السوري في مواجهة الكارثة التي دفع النظام الشعب السوري اليها. أما النوع الثاني فهو قليل ومحدود، وأساسه الكسب الدعائي والسياسي للدول والجماعات التي تقدمه، وكل هذه الدول والجماعات تؤيد نظام قتل السوريين وتدميرهم مثل الصين، وهي تدعم بصورة مباشرة النظام بالمال والسلاح والمقاتلين غالباً مثل روسيا وإيران والعراق وأطراف وهيئات أخرى، وتقديمها “المساعدات” للسوريين هدفه تحسين وجهها القبيح، وإخفاء دورها المباشر أو غير المباشر في الجرائم التي يرتكبها النظام ضد الشعب، وإلا ماذا يعني أن تتبرع دولة كبرى مثل الصين بمبلغ قدره عشرة ملايين دولار مساعدات للسوريين؟. وهو مبلغ لم تتجاوزه كثيراً مساعدات كل من روسيا وإيران، وأغلب هذه المساعدات تذهب مباشرة الى النظام ليقوم بتوزيع أغلبها على مؤيديه بما يعزز ارتباطهم به، ويقوي استراتيجيته القائمة على القتل والتدمير، ويدعمه في السير بها الى النهاية على طريق إخضاع السوريين، وفرض سيطرته عليهم مجدداً رغم كل ما قام به من أعمال إجرامية.
إن السوريين وهم يحتاجون الى المساعدات الإنسانية نتيجة تردي أوضاعهم وظروفهم الحياتية، يحتاجون الى مساعدة أكبر وأكثر أهمية، أساسها وقف استمرار وتصاعد تلك الظروف الكارثية، وهذا اساسه وقف القتل والتدمير والتهجير، ومحاسبة القائمين بها وتقديمهم الى المحاكم لينالوا العقاب العادل على جرائمهم، ثم الذهاب الى أبعد في مساعدة السوريين على تغيير النظام، وإقامة نظام ديموقراطي بديل، يوفر الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة والمساواة لكل السوريين من دون أي استثناء.
ولا شك أن ذهاب الدول والهيئات الدولية والإقليمية نحو مثل هذه المساعدة الحقيقية للسوريين لا يمكن عزلها عن واقع القضية السورية بمجملها، والتي تشكل أوضاع السوريين الإنسانية أحد تجسيداتها العملية مما يتطلب تقديم مساعدات كافية لعيشهم، لكنها تتطلب أيضاً دعماً سياسياً وعسكرياً لقوى التغيير الديموقراطي في سوريا في المستويات الثلاثة الأساسية، أولهما مستوى المعارضة السياسية وفي المقدمة منها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة الساعي الى دولة ديموقراطية، ثم تشكيلات الجيش الحر والثوار الذين يقفون في مواجهة آلة النظام وفي وجه قوى التطرف والتشدد، التي تسعى الى أخذ البلاد الى عمق الحرب الأهلية، ثم الحراك المدني والشعبي الذي ما زال يسعى من أجل الحرية والكرامة والديموقراطية.
إن دعم قوى التغيير الديموقراطي في سوريا، يتطلب دعماً سياسياً قوياً وفعالاً للائتلاف الوطني بالسعي الى دعم وحدة المعارضة وتقويتها، ووقف التدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية، وفي تعزيز مكانتها في التمثيل السياسي للشعب السوري وتكريس مكانتها القيادية على التشكيلات العسكرية ولا سيما تشكيلات الجيش الحر، والتي يفترض السعي الى توحيدها وتنظيمها وتسليحها في إطار تغيير موازين القوى في الداخل، وهو أمر لا يمكن الخروج من الوضع الراهن دون القيام به.
ولعله لا يحتاج الى تأكيد القول، إن حصول مثل هذه التغيير في نوعية المساعدة المقدمة الذي لا يمكن أن يستعيد فعالياته في مواجهة النظام وجماعات التطرف ومن أجل إعادة الخروج من الأزمة وتغيير النظام، والذهاب نحو استعادة الحياة السورية.
إن السوريين شعباً وكياناً، كانوا حاضرين بصورة حية ودائمة في المجتمع الدولي، وقد أخرجتهم سياسة النظام وجرائمه من ذلك الدور والحضور، وعودتهم اليه لا تكون في مساعدات إنسانية وبعضها له أهداف دعاوية إعلامية ليس إلا، إنما في مساعدتهم في الخروج من مسببات الكارثة التي صاروا فيها، وخلاصة تلك المساعدة ثلاثة نقاط: وقف القتل والدمار، ومحاسبة مرتكبي تلك الجرائم، وتغيير النظام الى نظام ديموقراطي بالوسائل السلمية إن أمكن، أو بالقوة إذا كانت الأخيرة هي الخيار الوحيد.

السابق
المنطقة على أبواب تحوّل كبير
التالي
حماس وهدم الأنفاق ثلاثة خيارات لا رابع لها