ما الفارق بين السادات وحافظ الأسد؟

بعد أربعين عاما على حرب 1973، آخر الحروب العربية- الاسرائيلية، بات في الإمكان الحديث عن الرجلين اللذين خاضا تلك الحرب من الجانب العربي ولدى كلّ منهما حساباته الخاصة ورؤيته لمرحلة ما بعد الحرب. يتبيّن أن أنور السادات كان وطنيا مصريا بامتياز لا همّ له سوى مصر، في حين كان حافظ الاسد مهووسا بالمحافظة على النظام الطائفي الذي أنشأه في سورية والذي في حاجة دائمة الى شرعية ما.
في المعلن، شنت مصر وسورية الحرب من أجل استعادة اراضيهما المحتلة في حرب 1967. استطاعت مصر استعادة سيناء، بما في ذلك حقول النفط والغاز وشرم الشيخ وكلّ المناطق السياحية المهمّة في شبه الجزيرة وصولا الى طابا التي بقيت موضع نزاع أمكن تسويته عن طريق التحكيم الدولي.
أمّا سورية، فلا تزال اراضيها محتلة وذلك في انتظار اليوم الذي يخرج فيه النظام- الكارثة من دمشق نفسها، بعدما تبيّن أنه يعاني أوّل ما يعاني من حال ميؤوس منها ومن مرض غير قابل للعلاج.
انّه نظام يعاني من العجز عن خوض الحرب والتوصل الى السلام في الوقت ذاته. لم يجد بديلا من هذا العجز، في مرحلة معيّنة، سوى الانتصار على لبنان واللبنانيين بدل الانتصار على اسرائيل. أما في كل المراحل، فكان هدفه يُختزل بالانتصار على سورية والسوريين، من منطلق طائفي ومذهبي بحت. يصبّ هذا المنطلق في اتجاه واحد يتمثّل في تحويل سورية مزرعة للنظام… وجعل المواطنين السوريين عبيدا يعملون في هذه المزرعة. وهذا ما يرفضه حاليا الشباب السوري. في أساس هذا الرفض الثورة السورية المستمرّة منذ ما يزيد على واحد وثلاثين شهرا، وهي أمّ الثورات العربية من دون منازع.
خاض انور السادات حرب اكتوبر، بالمفهوم المصري، والتي يسميها الاسرائيليون «حرب الغفران»، من أجل استعادة الاراضي المصرية والسعي، اذا امكن، الى ايجاد تسوية شاملة في المنطقة بعدما أخذ علما بموازين القوى السائدة.
أدرك السادات أن موازين القوى لا تسمح للعرب، في أفضل الاحوال، بأكثر من استعادة الارض التي احتلتها اسرائيل في حرب الايّام الستّة، وهي سيناء وهضبة الجولان والضفة الغربية. أكثر من ذلك، ادرك السادات الذي كان في الدرجة الأولى وطنيا مصريّا، أن لا أمل لمصر في الانصراف الى حلّ مشاكلها الداخلية الضخمة، وهي مشاكل لا تزال قائمة الى اليوم، من دون تسوية ما تخرجها من حال الحرب التي لا يمكن أن تحقق فيها انتصارا حاسما لا اليوم ولا غدا ولا بعد غد.
لا شكّ ان السادات، بسبب تركيزه على مصر وحدها، تفرّد بكل قراراته وأساء الى كثيرين من العرب، كانوا يتمنون الخير ولا شيء غير الخير، لمصر. بين هؤلاء الملك حسين، رحمه الله، الذي كان لديه وعد من جمال عبدالناصر بأن مصر لا يمكن أن تدخل تسوية مع اسرائيل، تعيد لها سيناء فقط، على حساب الاردن والعرب الآخرين. بكلام أوضح، أكد ناصر للحسين أن مصر لا يمكن أن تدخل تسوية لا تعيد الضفة الغربية الى الاردن…وذلك قبل أن يرتكب العرب خطأ جسيما، يضعف موقفهم من الناحية القانونية. يتمثل هذا الخطأ في اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، علما أن الاردن في وضع قانوني أفضل لاستعادة الارض واعادتها للفلسطينيين اذا شاؤوا ذلك نظرا الى انه كان صاحب السيادة في الضفة الغربية والقدس الشرقية قبل حرب حزيران- يونيو 1967.
كان ذلك عائدا الى أن ناصر شعر بعد هزيمة 1967 بعقدة ذنب تجاه الاردن نتيجة الضغوط التي مورست على ملك الاردن من أجل خوض حرب كان يعرف سلفا أنها خاسرة. ولا شكّ أن مصر كانت مسؤولة، قبل غيرها، عن هذه الضغوط التي انتهت الى كارثة حقيقية على العرب، كلّ العرب وليس على المملكة الاردنية الهاشمية وحدها وعلى الشعب الفلسطيني عموما.
أدّت هذه الحرب الى خسارة الضفة الغربية والقدس الشرقية. توفي ناصر في أيلول- سبتمبر 1970 تاركا مصر لانور السادات الذي كانت لديه حساباته الخاصة التي سعى في مرحلة معيّنة الى جعلها تتجاوز مصر. لكنّه فشل في ذلك لاسباب مرتبطة اساسا بطموحات النظام السوري الذي منع الفلسطينيين، بعد توقيع اتفاقي كامب ديفيد في العام 1978، من الانضمام الى مفاوضات تستهدف التوصل الى حكم ذاتي في الضفة الغربية وغزّة في وقت كان عدد المستعمرات الاسرائيلية في الضفّة محدودا.
بعد اربعين عاما على حرب أكتوبر أو تشرين… أو «الغفران»، نكتشف أن مصر- السادات كانت لها حساباتها، وهي حسابات مصرية أوّلا. كان السادات يريد انقاذ مصر بغض النظر عمّا يفعله العرب الآخرون.
سجّل الجيش المصري انجازا رائعا، بل تاريخيا، اسمه «العبور». عبر قناة السويس وحطّم الدفاعات الاسرائيلية، بما في ذلك «خط بارليف». لا يستطيع عاقل تجاهل الانجاز الذي حققه الجيش المصري، بكلّ اسلحته، بما في ذلك سلاح الجو الذي كان على رأسه الرئيس الاسبق حسني مبارك. استغلّ السادات ما تحقق في الحرب من أجل السعي الى انقاذ مصر من الضائقة التي كانت فيها، فأمّن لها بوليصة تأمين أميركية أوّلا. وقد عاش نظام حسني مبارك طوال ثلاثين عاما على تركة السادات، مثلما أن جمال عبدالناصر عاش بين 1952 و1970 على ما تركه له الملك فاروق، رحمه الله… وعلى شعارات طنانة لا علاقة لها بالواقع.
في الجانب السوري. كانت الحسابات مختلفة. لم تكن لحرب تشرين، حسب التسمية السورية، قيمة الا بمقدار ما أنها كانت توفّر لنظام حافظ الاسد شرعية لا يزال، الى الآن، يبحث عنها. لم تكن استعادة الجولان يوما مهمّة. كانت دائما آخر هموم حافظ الاسد ومن ثمّ خليفته. كان الاستيلاء على لبنان الاهمّ. كان مهمّا أيضا الامساك بالورقة الفلسطينية عن طريق المسلّحين الفلسطينيين الموجودين في لبنان والذين أدخلهم السوري في حروب داخلية لبنانية صرفة كانوا في غنى عنها. بالنسبة الى النظام السوري، لم يكن مهمّا يوما أن يحقق الفلسطينيون أي تقدّم على طريق استعادة جزء من حقوقهم الوطنية. المهم أن يكون الشعب الفلسطيني مجرّد ورقة في يده لا أكثر ولا أقلّ.
المؤسف أن همّ النظام السوري، أي همّ حافظ الاسد، كان محصورا في كلّ وقت في حماية النظام وليس في حماية سورية. هنا يكمن الفارق الكبير بين أنور السادات وحافظ الاسد. هنا يتبيّن، بعد أربعين عاما، أن الكيان المصري مختلف عن الكيان السوري. بكلام أوضح، استخدم السادات حرب اكتوبر من أجل مصر، فيما استخدم حافظ الاسد حرب تشرين من أجل خدمة النظام الذي أقامه في سورية.
بعد اربعين عاما من حرب 1973، آخر الحروب العربية- الاسرائيلية، تبدو مصر حالة قابلة للعلاج. لا لشيء سوى لأنّ مصر تبقى مصر. في المقابل نجد سورية حالا ميؤوسا منها، أقلّه في ظلّ النظام القائم الذي يبدو مستعدا في كلّ لحظة لوصف ابناء شعبه بـ«الارهابيين» لتبرير قصفهم بالسلاح الكيميائي!
هل هذا ما يفسّر أن الازمة السورية صارت أزمة نظام وكيان في الوقت ذاته؟

السابق
الصراع مع إيران والصراع مع القاعدة
التالي
وقف آلة الدمار الشامل