أظافر إيران لا تزال طويلة

سقطت سياسة «العصا الغليظة» التي إستخدمها الغرب لتأديب إيران، ولم تجدِ العقوبات الإقتصادية نفعاً، ولا التهويل بالضربة العسكريّة، فيما أثبتت الوقائع أنّ لطهران أظافر طويلة في كلّ من العراق وسوريا ولبنان وبعض دول الخليج.
في المقابل أدخلت الإدارة الأميركيّة تعديلات على سياستها الخارجية بعد الأزمة الإقتصاديّة العالميّة، وعدّلت سلّم أولوياتها مع بدء ولاية الرئيس باراك أوباما الثانية، من حصر نفقات الدفاع، الى إنسحاب الجيوش من بعض المناطق الساخنة، وقد أعلنها صراحة “أنّ الولايات المتحدة لن تحارب نيابة عن أحد، ولن تذهب قوّاتنا الى أيّ مكان في العالم للقتال دفاعاً عن مصالح الآخرين، والولايات المتحدة تعرف كيف تحمي مصالحها”، وبقي على “اللبيب” الإسرائيلي أن يفهم؟!.
ويأتي التحوّل الكبير في سوريا ليدفع جميع المتورّطين الى إعادة النظر في السياسات المتبَعة، لقد نسف السلاح الكيماوي كثيراً من الخطط التي كانت مرسومة على الورق.

إنه سلاح إستراتيجي، وفي حاجة الى دول تحميه، وتؤمّن له شبكة أمان، الجيش النظامي لم يعد يشكّل الضمان، لقد أنهكته الجبهات المفتوحة ضدّه من الداخل، والخارج، ونأت روسيا بنفسها عن القيام بهذه المهمّة بعد أن توصلت الى تفاهم مع الحكومة الإسرائيليّة، بعِلم وتشجيع من الإدارة الأميركيّة يقضي بالتخلّص من هذا السلاح عن طريق وضعه في تصرّف الجهات الدوليّة المختصّة.

وإستوعبت طهران حجم المتغيّرات، وإكتشفت مدى التقارب الروسي ـ الإسرائيلي، خصوصاً أنّ المواقع التي قصفها الطيران الحربي في الداخل السوري سابقاً، كانت بعلم المخابرات الروسيّة، وعلى مرأى ومسمع من أسطولها في المتوسط. كذلك إكتشفت مدى التفاهم الروسي ـ الأميركي الذي بلغ العمق، وشمل تفاصيل التفاصيل حول الملف السوري، وملفات أخرى ساخنة في المنطقة.

لقد أدّى السقوط المدوّي للسلاح الكيماوي الى فضح كثير من الأسرار التي كانت تُحاك في الدوائر الديبلوماسيّة المغلَقة، ووجدت طهران نفسها أمام واقع مختلف، وحسابات جديدة، لذلك كان لا بدّ من تدوير الزوايا الحادة، وإعتماد خطاب معتدل مع إنتخاب الرئيس حسن روحاني، لتقديم بطاقة إنتساب الى النادي الدولي، والمشاركة في تقرير مصير عدد من دول الشرق الأوسط الجديد وشعوبه إنطلاقاً من سوريا، والإطلاع على عملية رسم حدود النفوذ لكلّ من إسرائيل وتركيا تحت الخيمة الأميركيّة ـ الروسيّة التي نُصبت في الروضة الدمشقية لمتابعة مسار تنفيذ التفاهمات التي تمّ التوصل اليها في جنيف، وحتى ما قبل جنيف.

في آخر إجتماع عُقد بين المفاوض الإيراني ومجموعة الـ5+1، إتُفق على المباشرة بالعدّ العكسي لرفع العقوبات، وهذا ما أفقد الحكومة الإسرائيليّة صوابها، وكانت حجّة رئيس الوزراء بنيامين تنياهو، أنّ جوائز ترضية تُقدم لطهران سلفاً من دون أيّ تغيير جوهري في سياستها النووية، إلاّ أنّ القلق الإسرائيلي يعود الى العرض الذي قدّمه المفاوض الإيراني خلال الإجتماع الأخير، وأبدى فيه الإستعداد الكامل للتعاون الى أقصى الحدود مع وكالة الطاقة الذريّة شرط أن تتعاون إسرائيل أيضاً، وتفتح أبواب ترسانتها النووية، إنطلاقا من مبدأ الكيل بمكيال واحد في الشرق الأوسط، وما يجوز على إيران وسوريا يجوز على إسرائيل أيضاً، وإذا كان المطلوب إخضاع البرنامج النووي الإيراني للشفافية الدوليّة، فالأمر يجب أن يسري أيضاً على البرنامج النووي الإسرائيلي لجعل المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.

والجديد في الأمر أنّ مثل هذا الطرح بدأ يلقى آذاناً صاغية في الإدارة الأميركيّة، وهناك في بعض دوائر وزارتَي الخارجية والدفاع مَن يسلّم جدلاً بأنّ أوباما لا يمكنه النجاح في الشرق الأوسط، إلّا إذا إعتمد الشفافية في تطبيق المعايير الدولية الواحدة على الجميع، والإقلاع عن المعايير المزدوجة التي كانت، ولا تزال متبَعة، وعلى قاعدة ما يجوز لإسرائيل لا يجوز للعرب، وما يسري على العرب لا يسري على إسرائيل من قرارات دوليّة صادرة عن مجلس الأمن؟!.

بالطبع لا يمكن الجزم بأنّ التحوّل قد حصل، وأنّ صفحة جديدة قد فُتحت ما بين طهران وواشنطن لأنّ العقبات لا تزال أكثر من أن تعد وتحصى، وأبرزها أربع: إيران تريد أن تكون شريكاً أساسيّاً في أيّ حلّ للملف السوري، وتريد ضمانات لدورها ومصالحها في المنطقة بدءاً بالعراق مروراً بسوريا ولبنان وصولاً الى الخليج ومضيق هرمز، وتريد معرفة حدود الدَورين التركي والإسرائيلي، وإسقاط العقوبات المرفوعة ضدّها، وعلى قاعدة: كما تراني يا جميل أراك؟!

السابق
كلهم مع الأسد!
التالي
الخليج يحارب بمحطة إذاعية!