لا أسد إلى الأبد

لم أفهم ردات فعل اللبنانيين على الاتفاق – الصفقة الاميركي – الروسي. فريق توهّم أنه انتصر، وفريق آخر ظنّ أنه خسر. حسابات الدول الكبرى تختلف كثيرا عن حساباتنا. حساباتنا صغيرة بحجم المساحة التي نتحرك في اطارها، بل ربما اضيق في احيان كثيرة.

لم يتنبه الفريق الواهم بالربح، والفريق الموهوم بخسارة الى ان الرئيس بشار الاسد تخلى مقابل بقائه في الحكم، عن الترسانة الكيميائية التي بناها والده طوال 40 عاما، لمواجهة اسرائيل، فاذا به يريح العدو الصهيوني الى الابد، بعدما كان اراحه منذ زمن بعيد على جبهة الجولان.
ولم يتنبه هذا الفريق وذاك، الى ان الرئيس السوري قتل من شعبه أكثر بكثير مما قتلت اسرائيل من العرب خلال 60 عاما. ونفذ المجازر حتى بلغ به الامر حد استعمال السلاح الكيميائي لإبادة مواطنيه، وهو السلاح الذي لم يستعمله يوما في مواجهة عدو. وان النظام لشدة ما ضعف استعان بالخارج على أهله وناسه.
ولم يتنبه هذا الفريق وذاك، الى ان الاسد تخلى عن عروبته وعروبة بلاده متجها الى بلاد فارس، مغرباً سوريا عن موقعها الطبيعي، ومتخلياً عن علاقة بلاده بكل المحيط وبكل الدول العربية التي حرص والده على ابقاء خيط رفيع معها حتى في زمن الازمات.
ولم يتنبه أي من الفريقين الى ان الاتفاق الدولي لن يصبّ في مصلحة النظام السوري بقدر ما هو تقاسم حصص ومصالح بين العملاقين، وانه بقدر ما يبقي الاسد في موقعه، فانه يضمن انتقالا للسلطة بشكل هادئ على الطريقة اليمنية ربما، منعا للوقوع في المستنقع العراقي الذي مكن ايران من التدخل بقوة بعد فرط الجيش العراقي.
ولم يتنبه أي من الفريقين الى ان مصلحة اسرائيل فوق كل اعتبار لدى أميركا وروسيا معاً، لأن الصحافة الاسرائيلية تخوّفت، بل حذّرت من ان يؤدي سقوط النظام السوري الى وقوع الاسلحة الكيميائية في أيدي مجموعات أصولية متفلتة أو يسيطر عليها “حزب الله”. وأمام هذا التخوف الاسرائيلي، كان إرجاء للضربة، وكانت المبادرة الروسية.
فيا ليتهم يعلمون انه لن تكتب حياة لرئيس قاتل، ولبلاد مسلوخة من محيطها، وأن المبادرة الروسية لم تهدف إطلاقاً الى حماية ما كان يسمى زوراً وبهتاناً “نظام الممانعة”، اذ لم يتبقّ منه سوى البكاء على الاطلال. وعلى الذين راهنوا ويراهنون على روسيا ان يأخذوا علماً بسقوط مقولة “سوريا الأسد الى الأبد”.

السابق
انتشار أمني في عين الحلوة
التالي
حزب الله الرّمادي للبنانيين: يا أبيض يا أسود