لكل شخص مستبدّ يُهتف له

نواقيس الخطر تُقرَع في كل مكان، وبشار الأسد لا يُعيرها آذاناً صاغية. تذكّرنا روايات عدّة، من الأساطير إلى الوقائع التاريخية والحقائق الإقليمية، بالمأزق الذي زجّ الأسد نفسه فيه.

قال في مقابلة مع إحدى وسائل الإعلام الأميركية الأحد إنه “سينتقم إذا تعرّض لضربة” من الولايات المتحدة. لا يسعنا سوى التساؤل ما إذا كان ذلك يعني نقل الحرب الى خارج الحدود السورية.
على رغم الجروح العميقة التي خلّفتها الأزمة الدموية المستمرّة منذ 30 شهراً، باتت المأساة السورية تُختصَر الآن بالضربة الأميركية. فكثرٌ ينتهزون هذه الفرصة لممارسة السياسة من طريق استخدام مكبّرات الصوت التي تؤمّنها لهم وسائل الإعلام التقليدية أو البديلة. والنتيجة هي أنهم يقصفوننا باستمرار بالآراء والصور وأشرطة الفيديو والتصريحات والتصريحات المضادّة، والدعوة إلى التظاهر دعماً للحرب أو ضدّها، والحِراك والحراك المضاد، والبروغاندا والبروباغندا المضادة، إنما من دون خطّة فعلية للتحرّك. حتى الأحداث نفسها يجري التلاعب بها وتصويرها من وجهتَي نظر مختلفتين دعماً لمواقف متعارضة.
إذا وضعنا السياسة جانباً، وكذلك الآراء والتحليلات، والتهكّمية، والشماتة، وقرع طبول الحرب، والحراك من أجل السلام، لا يسعنا إلا أن نأمل في ان نتّفق جميعنا على أمر واحد: أيُّ مستبدّ يُبيح قتل الناس، وخصوصا شعبه، أو يساهم في قتلهم، ويتسبّب بتشرّد الملايين منهم، يجب أن يمثل أمام العدالة. لنأمل في أن يكون هناك ضميرٌ عالمي، وفي أن يتحرّك إزاء حمام الدماء المروّع ويُنقذ من سلم من عِباد.
ليست هذه الأفكار جديدة بالنسبة إلى البعض منّا. لقد راودتني الأفكار نفسها في صباي، عندما كنت أنتظر دوري لأقضي في إحدى القنابل أو بواحدة من رصاصات الاستبداد، سواء أكان مصدرها سوريا أو إسرائيل أو فلسطين أو الجيش اللبناني أو الميليشيات اللبنانية بمختلف تلاوينها. لقد اختبرناها كلّها في لبنان في أوقات مختلفة.
لا يبقى أمام الضحايا البريئة التي لا تنتمي إلى أي فريق، في هذه الحلقة المفرغة من الكراهية، سوى أمرَين: الصلاة والتدخّل الخارجي. سوف تسمعون كل الباقين يصرخون “يعيش يعيش…”، ولكل منهم مستبدٌّ يهتف له!

السابق
النازحون السوريون: الاحتياجات كثيرة والتقديمات قليلة
التالي
اوباما يوافق على مناقشة المقترح الروسي في مجلس الامن