سوريا ما بعد نظام الأسد

يدور جدل عقيم بين اللبنانيين حول حصول الضربة لسوريا أو عدمه. ثم يتبارزون لاحقاً في تقويم نتائجها، سواء أكانت محدودة أم قاضية، وفي هذا أيضاً نوع من التنجيم الذي لا يحسم امرا.

لكن الواقع أن الضربة، وان عكست كل التوقعات وبدت مؤجلة، الا انها رسمت حتى الآن، واقعاً جديداً لما بعد نظام الرئيس بشار الأسد. وتكفي قراءة خبر في صحيفة سويسرية ان زوجة الرئيس السوري أسماء الأسد، تقدمت بطلب لتسجيل ابنها في احدى مدارس سويسرا، للدلالة على ما يمكن أن تؤول اليه الأمور. وهذا ليس رفاهية بقدر ما هو احتياط للهروب العاجل او المؤجل.
ولنبق في الميدان السوري، فقد ارتكب الجيش النظامي وعصابات الشبيحة التابعة له، عشرات بل مئات المجازر، التي بلغت حد الكيميائي، شأنهم شأن معارضيهم، وخصوصاً “جبهة النصرة” والكتائب الاسلامية على أنواعها، ووقعت الواقعة بين أبناء البلد الواحد، (بغض النظر عن وجود مقاتلين أجانب أو عدمه) وصارت المجازر في غير منطقة، طائفية مذهبية، بين سنة وعلويين، وانقضّت عصابة “النصرة” ومشتقاتها من “تنظيم القاعدة” على العلويين والشيعة والمسيحيين، وآخر حروبها على معلولا المعلم المسيحي البارز لمسيحيي المشرق العربي.
واذا لم تحصل الضربة لأي سبب كان، من دون توافر صفقة حقيقية بين الجبارين الاميركي والروسي، فإن الحرب الأهلية ستستمر، وستزداد وتيرة تسليح المعارضة، ليبقى الصراع قائماً، ولن يكتب للأسد أن يحكم مجدداً المحافظات، وايضا الطائفة السنية الأكبر عدداً، رغم كل الدعم الخارجي له، والذي سيتضاءل مع الوقت لأنه مكلف لأصحابه.
فمع كل الدماء التي سالت، لن تكون ممكنة العودة الى الوراء، ولن يتمكن الاسد من إعادة سيطرته على مواطنيه، وعلى المناطق، بل سيكون ساهم في عزلها الواحدة عن الاخرى، وبالتالي اقامة الكانتونات ورسم حدود التقسيم. وعندها لن يكون رئيساً لسوريا، بل لبقعة منها، أو ربما للدولة العلوية فيها.
انه صراع الجبابرة على أرض سوريا، وهو صراع العرب أيضاً لعدم الافساح لإيران الفارسية في السيطرة على قرار المنطقة، ومثلها تركيا العثمانية.
في كل الحالات، بضربة أو من دونها، يمكن الحديث عن سوريا ما بعد الأسد، أو عن أسد بلا سورياه، بل بما تبقى منها، لان سوريا ما قبل، هي غيرها ما بعد، وكذلك حال النظام، إذ بخضوعه للشروط الاميركية، وبذهابه الى “طائف” جنيف 2، فانه سيفقد انيابه، والرئيس صلاحياته، ومن الضروري التفكير مليا في المرحلة المقبلة حتى لا تطول مرحلة اعادة بناء النظام الجديد، وتظل المسيرة عرجاء كما حصل في لبنان ما بعد الطائف والى اليوم.

السابق
مناورة إسرائيلية في المزارع
التالي
العرب مسرح إيراني للحرب المذهبية