طهران وواشنطن.. ودمشق بينهما

يشكل الموقف الايراني من العدوان المرتقب على سوريا بيضة القبان في حسابات واشنطن وحلفائها. فطهران هي الحليف الاول لدمشق والأم الحاضنة لـ«حزب الله»، وهي في كل الاحوال رأس محور المقاومة والممانعة الذي يتعرض لمؤامرة مشهودة في اطار الأزمة السورية.
ومع ان دور روسيا، في خضم الأزمة السورية وملحقاتها، قد استقر على شكل الظهير الداعم لدمشق على أكثر من صعيد، وعلى أهمية هذا الدور في بقاء النظام السوري واستمراره، فإن التوقعات لا تذهب الى القول بإمكان تطور الموقف الروسي الى حد الدخول في مواجهة عسكرية الى جانب سوريا بوجه واشنطن وحلفائها. وزير الخارجية الروسي عبّر عن ذلك بصراحة عندما قال بأن بلاده لن تخوض حربا من أجل أحد. غير ان ما ينطبق على موسكو قد لا ينطبق على طهران التي تتجاوز علاقتها بدمشق موقع الظهير الى الشريك الفعلي في حلبة الأزمة والعدوان. وإذ حسمت طهران خياراتها بالوقوف الى جانب سوريا حتى النهاية، يبقى السؤال قائما حول إمكان دخول ايران طرفا مباشرا الى جانب دمشق في المواجهة العسكرية المرتقبة.

ومع اقتراب العدوان المتوقع على سوريا، ما زال موقف الجمهورية الاسلامية يراوح بين حدين: الأول، مجمل ويؤكد على الوقوف الى جانب الحليف السوري من دون تردد. الثاني مبهم ويتحدث عن هزيمة تلحق بأميركا ونيران تشعل المنطقة، من دون الافصاح عن دور ايران الفعلي وتحديد ما يمكن ان تقوم به في الردّ على العدوان. فطهران لم تذهب بعد الى الحدّ الاقصى من التصعيد في التعبير عن موقفها من الحرب. ذلك على الأرجح يندرج في اطار استدراج واشنطن الى مصيدة أعدت لها بإحكام، فضلا عن أن الإبهام والإيهام يشكلان عنصرين في استراتيجية المواجهة التي ستعتمدها طهران في التعامل مع واشنطن.

خلاصة القول، إن العدوان المرتقب على سوريا يستهدف، كما يرى الايرانيون، وجود ايران في المنطقة، وقد يمهد في مرحلة لاحقة لحملة مباشرة وأكثر عدوانية، تستهدف الجمهورية الاسلامية نفسها. وعليه، فإن طهران لا تملك خيارا سوى رسم خط أحمر يمنع سقوط النظام السوري أو حتى اختلال موازين القوى لمصلحة الجماعات المسلحة. وهي- طهران – لا تملك أيضا غير استنفار كل امكاناتها الى جانب دمشق، بدءا من الدعم اللوجستي والعسكري والاستخباراتي، مرورا بالتخطيط والمشاركة في ادارة المعركة، وصولا الى حد المشاركة الميدانية المباشرة. الامر هنا يتوقف على مجريات الوقائع على الارض وحاجة الجيش السوري الفعلية للدعم.

على هذا، لم يكن كلام قائد الثورة الاسلامية عن «احتراق المعتدين بنيران الحرب التي يريدون اشعالها» من قبيل التنبؤ والتوقع بمقدار ما كان من موقع العارف والمخطط وصاحب القرار. ولعل في تسريب طهران أقوال الجنرال قاسم سليماني الى الحيز الإعلامي مؤشرا على استعداد الايرانيين للذهاب هذه المرة الى حد المواجهة الفعلية. فالرجل ليس من أصحاب المنابر والتصريحات، بل من أصحاب الفعل والمهمات الصعبة. وهو لدى الحرس الثوري مقابل اميركا نظير عماد مغنية لدى «حزب الله» مقابل اسرائيل. يشهد له على ذلك، كما يردد الايرانيون، أعماله البطولية ضد الاحتلال الاميركي في العراق، وتقديمه الى الواجهة في هذا الوقت، لا يعكس حالة معنوية بمقدار ما يشكل عنوانا ايرانيا لمرحلة مقبلة.

ايران لا تريد الحرب، لكنها مستعدة للانخراط فيها، وأميركا تريد الحرب ولكنها مترددة في خوضها. ولعل المرحلة المقبلة ستفسح في المجال امام اختبار قوة واشنطن في مواجهة خصومها، وتظهير مصداقية طهران في الوقوف الى جانب حلفائها.

السابق
كيري: أوباما يتمتع بصلاحية الايعاز بشن هجوم ضد سوريا حتى اذا قرر الكونغرس الرفض
التالي
BBC وتضليل البرلمان البريطاني