أين قاسم سليماني قائد فيلق القدس؟

تغطية وسائل الإعلام الإيرانية لخطاب قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني حول ” الأحداث الإقليمية ” أمام مجلس الخبراء كانت محدودة بشكل ملحوظ. يشرف قاسم سليماني على السياسة الأمنية الإقليمية الإيرانية, ويقود القوات العسكرية التي تدعم بشار الأسد في الحرب السورية.إن ضعف تلك التغطية الإعلامية لأحد مسؤولي الأمن الأقوى في الجمهورية الاسلامية ممن يناقشون الأحداث الحاسمة في الوقت الحاسم أمر غير معتاد أبدا. كان من المقرر أن يلقي سليماني خطابا أمام مجلس الخبراء الرابع عشر خلال اجتماعه في طهران في الثالث من سبتمبر الجاري. وبحلول نهاية اليوم, نشرت مختلف وسائل الإعلام الايرانية الرسمية وشبه الرسمية تقريرا واحدا فقط يغطي خطاب سليماني الذي نشرته حرفيا معظم القنوات. وفي هذا التقرير, قال عضو مجلس الخبراء حسن ممدوحي أن سليماني حضر في الواقع هذا الاجتماع, وأعطى ” تفاصيل جيدة عن لبنان وسورية “. كما نقل ممدوحي عن سليماني قوله : ” بالنسبة إلى الأوضاع في سورية, الشعب في هذا البلد منتصر على أميركا, وسورية ناجحة “. في اليوم التالي, نشرت وسائل إعلام ايرانية تقريرا  آخر (نسخة حرفية في كل وسائل الإعلام ) نقلا عن خطاب عضو في مجلس الخبراء من دون ذكر اسمه, يقتبس فيه كلام سليماني و بمزيد من التفصيل. وسائل الإعلام الإيرانية, مع ذلك, لم تنشر أي صور يظهر فيها سليماني. في المقابل, عندما خاطب سليماني اجتماعا مماثلا لمجلس الخبراء قبل عامين, نشرت وسائل الاعلام الايرانية صورا لخطابه (ومنذ ذلك الحين سحبت الصور وبقي التقرير الأصلي في مكانه ). هناك صور كثيرة لاجتماع هذا العام على شبكة الإنترنت تظهر غيره من كبار المسؤولين في النظام, بما في ذلك الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني, و الرئيس الحالي حسن روحاني, ووزير الاستخبارات محمود علوي, ما يشير إلى أن الصحافيين كانوا حاضرين على الأقل خلال جزء من الاجتماع  فأين سليماني? لماذا لم تنشر وسائل الإعلام الإيرانية صورا تدل على حضور سليماني الاجتماع?  الاحتمالات متعددة:
1 – سليماني لم يظهر. وهذا قد يعود لعدد من الأسباب, أكثرها احتمالا أنه كان مشغولا, وربما خارج البلاد.
2 – ألقى سليماني كلمته من دون السماح لوسائل الإعلام بالحضور.
3 – ألقى سليماني خطابه و حضر الصحافيون, ولكن المسؤولين منعوهم من نشر صور أو مقتطفات.
لندع هذه الاحتمالات جانبا: 1-عدم الحضور : إن حضور سليماني المقرر و الموضوعات المطروحة للنقاش في هذا الاجتماع – سورية ومصر والعراق ولبنان – كانت مقررة منذ أسابيع. وكانت مخطط لها مسبقا ومهمة. وعدم ظهور سليماني على الإطلاق يعني أن وجوده كان مطلوبا (بالمعنى الأكثر حرفية للمصطلح ) في مكان آخر. فهل يشير هذا إلى أن كبار مسؤولي النظام من الحرس الثوري وغيرهم, أو الأسد, هم في حال من الهلع بسبب احتمال تدخل الولايات المتحدة? أو ببساطة يتولى سليماني مسؤولياته في هذه المرحلة الحاسمة (سماها حسين سلامي نائب قائد الحرس الثوري في 3 سبتمبر ” عتبة نقطة تحول ستراتيجي في مستقبل المنطقة “)?
2 – عدم وجود وسائل الإعلام : لماذا لم تشأ ايران الاستفادة من هذا الحدث المهم? منذ النصف الأخير من حرب العراق, برز سليماني كبطل في إيران ( من نوع معين ), متجاوزا بكثير زملائه من قادة الحرس الثوري أمثال محمد علي جعفري وسواه من المحاربين القدامى, بالإضافة الى شهرته الدولية التي ترمز الى المقاومة الإيرانية. سورية في مركز “محور المقاومة ” كما قال لنا مسؤولون ايرانيون مرارا وتكرارا, بما في ذلك الرئيس روحاني في 5 سبتمبر الجاري. ففي الوقت الذي يناقش الكونغرس تدخل الولايات المتحدة في سورية, يبدو أن التوقيت مثالي لإغراق وسائل الاعلام الايرانية بصور قاسم سليماني ومقولاته التي تروج المقاومة. هل يمكن أن تكون المسألة أمنية? يبدو هذا من غير المرجح أبدا.
هناك بالتأكيد صحافيون لتغطية الأحداث الحساسة في إيران. المرشد الأعلى على سبيل المثال, لديه مصورون وصحافيون يغطون خطبه و اجتماعاته. وبالتأكيد لا بد من وجود شخص موثوق به يمكن أن يحضر ويلتقط الصور, ويوزعها على وسائل الإعلام ويقطع الطريق على أي حساسية في هذا السياق. علاوة على ذلك, فان وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية و الهواة على حد سواء يصورون سليماني بشكل منتظم. على سبيل المثال, هناك عدد من الصور الصريحة و عن قرب لسليماني عند حضوره حفلا صغيرا لشهداء في بيشفا محافظة طهران في الثاني من سبتمبر الجاري.
3 – أمر بالمنع : هل يمكن أن يكون سليماني قد قال أو فعل شيئا من شأنه أن يدفع النظام إلى إصدار أمر بمنع وسائل الإعلام من نشر أي شيء يتعلق بذلك الحدث أي الاجتماع? يبدو هذا غير مرجح. ماذا يمكن أن يكون سليماني قد قال أو فعل بحيث يدفع الى مثل هذا التقييد. كان هناك صحافيون حاضرون لجزء من هذا الاجتماع الذي حضره غيره من المسؤولين الحكوميين رفيعي المستوى, وتظهر بعض الصور أن مصور فيديو محترفا ومهنيا كان موجودا. ومن الممكن أيضا أن النظام قد أمر وسائل الاعلام الايرانية بالتقليل من أهمية خطاب سليماني لأنه لا يريد لقائد “فيلق القدس” التحدث بصفته مسؤول السياسة الإيرانية في سورية عشية تدخل اميركي محتمل. هذا ممكن جدا واحتمال بارز. لكن, مرة أخرى, نظرا الى مكانة سليماني ولمدى تغطية معظم تعليقاته في السنوات القليلة الماضية فأنه من غير المألوف جدا أن يلغي النظام حتى مجرد وجوده في هذا الاجتماع .
لماذا يبدو مهما أمر تافه إلى هذا الحد? لأنه الانحراف الحقيقي الوحيد في رد ايران الرسمي على أزمة سورية. عموما, خطاب المسؤولين الايرانيين  الذي يمكن التنبؤ به والصامت نسبيا,  يعكس – على الأرجح – قلقا حقيقيا (يذكر بحد ذاته) مع معرفتنا بآلة طهران الدعائية. سليماني يوجه سياسة إيران تجاه سورية ويشرف عليها, ويقدم التقارير مباشرة إلى المرشد الأعلى علي خامنئي. فهل يمكن لوسائل الاعلام الايرانية ألا تنشر حتى صورة واحدة له خلال خطاب له يتعلق بالوضع في سورية? ان هذا يقع في حدود اللامعقول. بالطبع, قد تظهر صور فيما بعد. ولكن حتى هذا التأخير يثير تساؤلات حول هذا الحدث.
في الرابع من سبتمبر الجاري, كان سليماني ” المتحدث الخاص” لليوم الأول للاجتماع. والرئيس حسن روحاني كان ” المتحدث الخاص” لليوم الثاني. ونشرت صوراً واقتباسات مباشرة لروحاني من جانب وسائل إعلام إيرانية متعددة بعد خطابه. لكن لا يوجد صور أو اقتباسات مباشرة من خطاب سليماني أو على الأقل لم تظهر حتى الآن.
السابق
في أي حال يتدخل حلف الـناتو في سورية؟
التالي
حسني مبارك وصدام حسين وإيران