ماذا لو تنفذ الضربة في سوريا؟

الخيار السياسي «السلمي» هو الأنسب لحل المعضلة السورية، وكان ممكنا تحقيقه لولا غرور النظام وعدم قدرته على قراءة المعطيات المحلية والإقليمية والدولية بشكل سليم، ولولا تشابك المصالح الدولية والوعود غير القابلة للتحقق خلال ثلاثين شهرا دموية. وحتى في ظروف التلويح باستخدام القوة الأميركية وغيرها من قوى التحالف، يمكن التوصل إلى حل سياسي يبنى على أساس تخلي بشار الأسد عن الحكم، وتشكيل حكومة انتقالية برعاية دولية، ونشر قوات شرطة دولية وعربية لحماية الأمن، ريثما يمكن تأسيس قوة محلية، دون استنساخ لتجربة «التحرير والاحتلال في العراق»، لكن النظام وبعض أطراف الصراع الخارجية تريد الحل في الميدان. فماذا سيحدث؟

ليس واردا حدوث تدخل بري غربي في الساحة السورية، كما أن الموقف لا يتطلب ضربات واسعة ولا حاجة لقوات كبيرة، على غرار حرب الخليج الثالثة. فالوضع مضطرب بما فيه الكفاية، وضربات محدودة يمكن أن تغير المعادلات على الأرض بصورة جذرية. وإذا ما اعتقد النظام أنه قادر على امتصاص تأثير مئات الصواريخ وليس أكثر، فسيكرر أخطاء ارتكبها من سبقوه في التقديرات الخاطئة. وبما أن الحل يبدو مرجحا في الميدان، فدروس التجارب السابقة تبدو شاخصة بقوة أكثر تأثيرا مما سبق.

ولم يعد ممكنا تعويل النظام وحلفائه على تعزيزات برية كبيرة من حزب الله وإيران، لأنها ستفقد خطوط انسحابها خارج الأراضي السورية في حال حدوث تطورات سريعة نتيجة ضربات صاروخية، حيث من المتوقع أن تقوم قوات «الجيش الحر» بقطع خطوط المواصلات مع لبنان، ولن يكون انتقال قوات حلفاء النظام إلى منطقة الساحل عملية يسيرة، لأن معظم الطرق ستشهد نشاطات قتالية استثنائية يجري التحضير لها من الآن.

دخول القوات الصاروخية والجوية الأميركية على خط المجابهة، سيشجع قوات «الجيش الحر» والكتائب المسلحة الأخرى على استثمار نتائج الضربات، واستغلال حالات التخلخل بتحقيق اندفاعات سريعة إلى مواقع أكثر أهمية وحسما، مما يجعل التشكيلات الموالية للنظام في وضع صعب ويضعف معنوياتها، ويزيد من فرص تآكلها وتفككها وتقصير مدة بقائها على مستوى الولاء السابق. وبما أن النظام يعاني نقصا في القدرة البشرية القتالية، فسيصبح في وضع يفقد فيه القدرة على البقاء في رقعة جغرافية واسعة، فتنكمش قواته إلى مناطق يسهل استهدافها من قبل قوى المعارضة المسلحة، فتتحول مناطق انتشار قوات النظام إلى مناطق مضروبة يصعب البقاء فيها.

كل ما قيل عن كفاءة الدفاع الجوي السوري من قبل الأميركيين سيثبت أنه هراء أريد به تفادي التدخل العسكري، ريثما تتطلب المصالح الأميركية التدخل. وحتى لو تمكنت قوات الدفاع من إسقاط عدد من صواريخ توماهوك، فلن تغير من سير العمليات شيئا يذكر. فهذه الصواريخ قليلة التكلفة نسبيا، ولدى القوات الجوية والبحرية الأميركية آلاف منها في مناطق العمليات، وسيكون من المستحيل حماية أي هدف من الضربات الصاروخية والجوية، منذ الغارة الأولى حتى الأخيرة. وقد أثبتت حروب العراق ويوغسلافيا هذه الحقيقة، والدفاع السوري ليس أفضل حالا من دفاع العراق ويوغسلافيا حتى مع التطورات التي حدثت.

ومع أن الإدارة الأميركية تحرص على تأكيد أن غاية أي عملية لن تكون إسقاط النظام تحسبا للمتغيرات الظرفية، فسيقود سير العمليات إلى الهدف ذاته دون إعلان مسبق. وعندما تبدأ العمليات القتالية تضعف قدرة أميركا في السيطرة على ما يحدث ميدانيا، فتزداد فرص إسقاط النظام، وكلما يمكن تشكيل مؤسسات قيادة عسكرية لقوات «الجيش الحر»، تتقلص فسحة المخاطر، ويمكن ضبط النهايات السائبة بكفاءة أفضل من حالة الانفلات.

ليس معلوما موقف الكونغرس النهائي من طلب أوباما، إلا أن رفض العملية المحدودة سيجعل قدرة أميركا على التدخل في النزاعات الدولية – بما في ذلك ما يدخل ضمن مصالحها – شيئا من التاريخ، ويفقد الإدارة الأميركية أهم عناصر تأثيرها الدولية المباشرة. والأرجح، هو أن تمضي خطط أوباما كما رسمت على الأقل، وستؤدي الضربة إلى وضع النظام على خط الانهيار، إذا ما تضمنت أهدافا لها صلة مباشرة بالقدرة القتالية. وإذا ما أدرك النظام هذه التصورات، فمن مصلحته إنهاء الأزمة بتوجه سلمي، لعدم وجود فرصة للبقاء في الحكم أو المشاركة فيه، بعد كل المآسي القاسية التي فرضها العناد على الشعب الذي طالب بحقه في «الحكم».

السابق
الضاحية بين سِندان التفجير ومطرقة الزعرنات
التالي
ينصر دينك يا ريس أوباما