لا صفقة سعودية ـ إيرانية

تسنّى لمستشارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لشؤون الأمن القومي سوزان رايس أن ترأس في غيابه أولى جلسات هذا المجلس بعد تعيينها، وذلك في إشارة واضحة إلى مدى الثقة التي يمنحها إيّاها.
قادَت رايس اجتماعاً ضمَّ وزراء الخارجية والدفاع والأمن الداخلي والأجهزة الإستخبارية، وشكّل الفرصة الأولى لإعادة الإعتبار إليها بعد “سقطة” سفارة بنغازي العام الماضي.

وفي هذا الإطار، أكّدت مصادر أميركية أنّها اطّلعت على تهديدات أمنية من أوساط يمنية وسعودية وأردنية عدّة، وحتى لبنانية. وكشفت في الوقت نفسه عن معلومات أمنية واستخبارية تشير الى وجود عبوات في عدد من المناطق اللبنانية مُعدّة للتفجير، وقد تمّ إبلاغ الجهات المعنية في بيروت عنها أخيراً. لكنّ تلك المصادر استغربت هذا الاندفاع المفاجئ في حضور خطر تنظيم “القاعدة” والقوى المرتبطة بها أو المتناسلة منها، سواءٌ إقليمياً أو سوريّاً.

ففي حين تشير الوقائع الميدانية والاستخبارية إلى حدود سيطرة “النصرة” ومشتقّاتها من عناصر العراق وبلاد الشام وغيرها، وحضورها سواءٌ في حلب وريفها وصولاً الى مناطق الجنوب، برز كلام فجأة عن انتصارات تُحقّقها في غير مكان، وعن استيلائها على كمّيات من الذخائر والأسلحة المتطوّرة، خصوصاً من مخازن النظام السوري.

وتتساءل أوساط سياسية عدّة عن أسباب تراجع التوتّر بين تلك الجماعات والأكراد، بعدما وصل الى حدّ “إطلاق النفير العام”؟

وتقول تلك الأوساط إنّ النتائج الأوّلية لزيارة رئيس الإستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان إلى موسكو، قد بدأت تتظهّر مع تلمّس توافق الطرفين على أكثر من ملف، وفي مقدّمها الملف المصري، حيث أعلن أخيراً عن تمويل السعودية لصفقة أسلحة روسية لمصر.

في المقابل، تؤكّد أوساط عربية أنّ بندر قدّم الى الروس عرضاً سياسيّاً شاملاً لخريطة الوضع السياسي في المنطقة، بيّن لهم أنّ دفّة الوضع الإقليمي تميل الى الطرف الذي تقوده بلاده في هذه المرحلة بعد نجاح ما اصطلح على تسميته بـ”الانقلاب” الإقليمي الذي قاده أخيراً.

وتلفت تلك الأوساط الى أنّ قراءة سياسية متقدّمة للوضع في إيران أفضت الى الإستنتاج بأنَّ أسباب فوز الرئيس الجديد حسن روحاني في
الإنتخابات، هي نفسها الأسباب التي ساهمت وتساهم في تطويق السياسة الخارجية لبلاده في المرحلة الأخيرة.

وتنفي تلك الأوساط إمكان إتمام مقايضة بين السعودية وإيران، ما دامت الأولى لا تشعر بضغوط تحتّم عليها إعادة النظر في مواقفها. وتعتبر أنّ إقرار مجلس النواب الأميركي حزمة من العقوبات عشيّة تنصيب روحاني، لهوَ أبلغ دليل على أنّ تطبيع العلاقات الغربية مع إيران مُبكر جدّاً.

هذا من دون الإشارة إلى مصير القمّة المشتركة بين اوباما ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، أو إلى مكان عقد قمّة الدول العشرين في بطرسبرغ.

ويُعتقد على نطاق واسع بأنّ سيّد الكرملين الذي استمع جيّداً إلى ما قدّمه الأمير بندر من معطيات، كان يعلم أنّها تأتي بالتكافل والتضامن مع واشنطن. أمّا في الموضوع السوري فتؤكّد أوساط مطلعة أنّ الخلاف بقيَ تقريباً على ما هو عليه، خصوصاً أنّ الإنقلاب الميداني لم ينضج بعد.

فالبراغماتية الروسية التي استقبلت حدث التغيير في مصر والإطاحة بـ”حكم الإخوان المسلمين” واستعدادها لتأمين الغطاء والشرعية الدولية المدعومة بصفقة أسلحة، لا يستبعد أن تكون نفسها في سوريا وغيرها.

فالهجوم المعاكس الذي تقوده السعودية في هذه المرحلة يحتاج الى تثبيت أحد أهمّ ركائزه المتمثل في مصر، حيث تشير المعطيات الى أنّ تسوية أزمة “رابعة العدوية” و”التضامن” باتت على قاب قوسين أو أدنى من الإنجاز.

تسويةٌ عمادُها على الأرجح إطلاق قيادات الإخوان المسلمين من السجون والسماح للتنظيم بالعمل العلني والمشاركة في الحياة السياسية مع استبعاد عودة الرئيس المعزول محمد مرسي الى السلطة نهائياً.

وهذا ما كشفته المتحدثة بإسم الخارجية الأميركية ماري هارف، من دون أن تعلن تفاصيل هذا الإتفاق نهائياً، بانتظار عودة مساعد وزير الخارجية وليم بيرنز الذي مدّد زيارته الى مصر، وقد يكون الإتفاق “عيدية” المصريّين.

لكنّ الأهمّ هو أنّ تغيير ميزان القوى على الأرض السورية والمرشّح أن يطول قليلاً، سيضع الحديث عن أيّ مبادرات سياسية على “الرفّ” حتى أمد منظور، والهجوم على ساحل اللاذقية ليس هجوماً تكتيكيّاً أو من باب تخفيف الضغط عن المعارضة، بل هو أبعد من ذلك.

السابق
غاغا بصورة غريبة جديدة
التالي
هل يلجأ مرسي الى السعودية ؟