حسين ماضي.. دمغة التّخصيب التّشكيليّ

حسين ماضي

بحسب أعماله الفنية التي شاهدتها، في معرضه الذي أقامه، مؤخراً، (في بنك FFA في وسط بيروت)، أرى أن حسين ماضي، ينطبقُ عليه، تماماً، الوصف الذي أطلقه بيكاسو على نفسه يوماً بقوله: “أنا أرسم الأشياء كما أفكّر بها، وليس كما أراها”. ذلك أن ماضي، ترتكز إبداعيّته التشكيلية (المتمثلة بلوحات ومنحوتات معدنيّة، وأعمال تجهيز، هي التي عرض منها خمسة عشر عملاً متنوّعاً في هذا المعرض) على ما يعتمل في داخله من تصورات ذاتية، نابعة من قدراته الفنية العالية، هي التي جعلته صاحب معطيات تقنية خصوصيّة، شكّلت نظرته الإبداعية المستقلة – والمتحرّرة من أيّ تقليد – للفنون التشكيلية، والتي خلقت بالتالي، بصمته الشديدة الخصوصية التي تُظهر أن المشهد أو “الموديل” التشكيلي لديه، ما هو إلاّ الصورة الذهنية التي يتمثلّها في مخيّلته، قبل نقلها من شكلها الهلامي/ المعنوي، إلى حالتها المادية/ المنظورة، الظاهرة للعيان، وذلك في تخصيبيّة رائعة لعمله الإبداعي، إذْ ينفخ فيه من روحه فيجعله مخلوقاً سويّاً فنيّاً، قابلاً للحياة. وعلى ذلك فلقد تكوَّن هذا المعرض من مفردات تشكيلية طبعتها دمغتان ساطعتان لماضي: دمغة تجريدية معنوية (كاملة وجزئية) ودمغة حسية/ تجسيدية). دمغتان تنضحان بتعبيريّة واضحة يتخلّلها – في بعض الأحيان – صمت باذخ يدفع المتفرّج إلى التأمل والتفكير العميقين. إذ هنا، يقول العمل الإبداعي، ولا يقول، وذلك ظاهرٌ في طريقتي استخدام ماضي للألوان (في حالتي تفريدها وتعشيقها على السواء)، إلى جانب طريقة استخدامه للأشكال، نوعاً وحجماً، أيضاً على السواء، في حياديّتها/ استقلاليّتها حيناً وفي تعالُقاتها، حيناً آخر، وهذه المفردات متمثلة بـ: المرأة، الطّير، الذّئب، الطبيعة، ورق الشجر، البحر.. إلخ. فأجواء هذ المعرض تموج بفضاءات متنوعة، هي نماذج فنيّة، تنمّ عن فضاءات داخلية صرفة يُظهرها مضمون العمل الذي يبرزُ، للوهلة الأولى، على أنه “كتلةٌ واحدة”، لكنَّ تقاطيعه المفصليّة، تومئُ بإصرارٍ عجيبٍ مدهش، على أن ثمة ما وراء تحقيق هذه الأعمال، ما هو أبعد بكثير من “كتلويّتها”، كمّاً وحجماً، فالعمل الفنيّ لدى ماضي، هو شكل كلّي، جسم واحد، بتقاطيع متباينة، لا يقبل أن تصاحبه أيّة فراغات، من أيّ نوع كان. ففضاؤه الداخليّ يجعله ثقلاً مركزياً واحداً موحداً، إذ هو دائماً مشهد أماميّ، جماله ورونقة بتمامه وكماله المطلقين. فراغاته في مضمونيّته/ جوّانيّته التي لا يستشفُّ وشايتها المتحفزة إلاّ المتأمل المتمعّن في هذا العمل الماضوي (نسبة إلى صاحبه/ ماضي).
فأعمال ماضي الفنيّة تمتاز بوثوبٍ متعقلن، وجموح مضبوط: جناحان طليقان للعبٍ فنيّ متفرّد في تشكيل تخصيبيٍّ مُحاورٍ للعين والمشاعر في ممارسة فنيّة دقيقة التمثُّل في “نصّ” تشكيليّ صارم القسمات، اقتصاديّ “التوقيعات” على نحو رمزيّ، جعله في مأمن من أية ثرثرة لونيّة أو شكليّة (من شكل) في تصفيّةٍ مُرْهفة قطّرت مياه مغزاها نسْغاً جمالياً ابتعد بها إلى أقصى حدّ عن أيّ بؤرويّة (من بؤرة) إغلاقية، إذْ يكفي مكانةً – وتبعاً لذلك – لأعمال ماضي الإبداعية أنها شكلت ركناً معنوياً باذخ التألّق في الرؤية والرؤيا معاً، من الذاكرة البصرية الحيّة/ المتحركة على صعيدي الخصوصية العربية، والتراث الإنسانيّ التشكيليّ المعاصر على وجه العموم.

السابق
السلوكة: قصة صيدا من زمن الاسير وما بعده
التالي
هل يتفق المسلمون على تحديد العيد